وصل الكثير من الرسائل الايجابية من غزة الى رام الله في شأن المصالحة بعد التغيرات المصرية التي ألقت ظلالاً مباشرة كثيفة على قطاع غزة. لكن الردود على هذه الرسائل من رام الله اتسمت بالكثير من الحذر والتريث. وكانت الرسالة الأولى من غزة هي دعوة رئيس الحكومة المقالة التي تديرها حركة «حماس» اسماعيل هنية للفصائل الى المشاركة في ادارة قطاع غزة. وتوالت بعدها الرسائل الشخصية الموجهة من هنية الى الرئيس محمود عباس في شأن تشكيل حكومة مشتركة في الضفة والقطاع. وقدم سياسيون مستقلون أفكاراً ومبادرات للتقريب بين «فتح» و «حماس»، منهم الوزيران «الغزيان» في حكومة رام الله زياد ابو عمرو وكمال الشرافي، ورئيس الوزراء السابق الدكتور سلام فياض. وتضمنت مبادرة فياض تفاصيل عملية، اذ نصت على تشكيل حكومة وحدة وطنية، وتولي الشرطة الفلسطينية ادارة معبر رفح مع مصر، وتأجيل البحث في إجراء الانتخابات الى ستة اشهر من موعد تشكيل الحكومة. لكن جميع هذه المبادرات والأفكار أبقى على السيطرة الأمنية في قطاع غزة بيد «حماس»، الأمر الذي لم تجده «فتح» مشجعاً لها بدرجة كافية. وفرضت السلطات المصرية قيوداً شديدة على «حماس» بين مصر وقطاع غزة منذ اطاحة الرئيس «الاخواني» الدكتور محمد مرسي مطلع تموز (يوليو) المقبل، منها تدمير الانفاق، وتقليص ساعات العمل على معبر رفح، وفرض قيود شديدة على تنقل قادة «حماس» الى الخارج عبر مصر. وأدت الاجراءات المصرية الى نشوب ازمة مالية واقتصادية وانسانية كبيرة في قطاع غزة، وجدت الحكومة المقالة نفسها معها تحت وطأة ضغط شديد. فمن جهة، خسرت ايراداتها من الجمارك المفروضة على السلع القادمة من مصر الى قطاع غزة، والتي تبلغ قيمتها نحو 30 مليون شكيل شهرياً. وأدى ذلك الى تراجع كبير في ايرادات الحكومة، ما جعلها غير قادرة على دفع رواتب موظفيها بصورة منتظمة. من جهة ثانية، خسرت «حماس» قناة رئيسة لنقل الاموال القادمة اليها من الخارج، سواء كانت اموالاً سائلة، او محولة عبر التجار والمستوردين. وأجبر اقفال الانفاق اهالي قطاع غزة على استبدال السلع الرخيصة القادمة من مصر، خصوصاً الوقود والاسمنت، بالسلع البديلة الباهظة القادمة من اسرائيل، وهو ما خلق تذمرات اجتماعية واسعة في القطاع. ووصلت الاتصالات بين «حماس» والسلطات المصرية من اجل فتح الانفاق، وتسهيل حركة التنقل عبر معبر رفح، الى طريق مسدود، ما دفع «حماس» الى البحث عن مخرج من هذه الازمة عبر المصالحة مع «فتح». لكن الاخيرة تظهر تريثاً واضحاً في الاستجابة الى رسائل «حماس»، الخصم السياسي العنيد لها، والذي استولى على السلطة في غزة بالقوة المسلحة. وتقول مصادر في «فتح» ان الحركة ترى في مبادرات «حماس» محاولات تكتيكية تهدف الى استخدام «فتح» في رفع الحصار المصري عنها، لذلك فإنها تنتظر من «حماس» تقديم خطط تفصيلية تدل على ما تسميه «جدية كافية». وتشير الأنباء الواردة من غزة الى إخفاق الحوارات التي أجرتها «حماس» اخيراً مع الفصائل المختلفة والشخصيات المستقلة في شأن المشاركة في ادارة قطاع غزة، ذلك ان هذه الفصائل والشخصيات ترى ان الأزمة كبيرة، وان حلها يتطلب تدخل جهات اكبر منها مثل السلطة، وقبولاً مصرياً اكيداً، وهو ما لا يبدو في الافق. وامام تعذر تحقيق شراكة محلية في ادارة غزة المحاصرة، فإن الطريق الوحيد المتبقي امام «حماس» هو تقديم مغريات اكبر ب «فتح». فالمؤكد أن «فتح» لن تقدم على انقاذ «حماس» من «الحصار» المصري، وإنها لن تتحرك الا بعد ان ترى منها تراجعاً عما تسميه انقلابها في غزة. والمؤكد ايضاً ان «حماس» لن تسلم السلطة في غزة لحركة «فتح»، الامر الذي يدفع الطرفين، وكلاهما له مصلحة اكيدة في المصالحة، الى منتصف الطريق. ويتوقع مقربون من ملف المصالحة ان لا يتحقق اي تقدم في هذا الملف قبل ان تعود مصر الى ادارة الملف وتلقي بثلقها فيه، وهذا لن يتحقق قبل ان تستقر الاوضاع الداخلية في الجمهورية.