سلط الدكتور فيصل مالك الضوء من جديد على رواية «الحدود» للدكتور نايف الجهني، والتي صدرت قبل عقد من الزمان، إذ نظم «الصالون الثقافي» بنادي تبوك الأدبي فعالية قدم فيها الدكتور مالك ورقة بعنوان: «تقنيات السرد والبناء في الرواية السعودية الحديثة: رواية الحدود لنايف الجهني أنموذجاً» استهلها بمقدمة عن التقنيات الحديثة في السرد السعودي المعاصر، وتطرق إلى أسباب اختياره لهذه الرواية «كونها أول رواية تصدر في منطقة تبوك أو في الشمال بشكل عام»، وإلى الدراسات التي قدمت حولها واعتمدت الورقة على بعض ملامحها. وبين المحاضر أن هذا المبحث النقدي يتجه مباشرة إلى عناصر السرد والبناء، ممثلة في السرد الذاتي الذي يتبناه الراوي في عرض الوقائع والأحداث منتجاً من ذات الزاوية وجهة النظر الفنية والفكرية والموضوعية للنص». ويسعى هذا المبحث لاستنطاق وسائل السرد (الوصف والحوار) الذي لجأ لهما مؤلف الرواية. وقال الدكتور فيصل إن المؤلف حرص على تسطيح الشخص الذي هو من أبرز معالم بناء هذا العنصر الفني الجوهري. وأضاف أن الكاتب حاول جاهداً عزل المشاهد الفنية في روايته عن البيئة الواقعية، وعمد لتغليف الحقائق الموضوعية «التي تعكسها الأحداث بمجموعة من الصور المموهة، وإنه استثمر قدرته الفائقة في صياغة الجمل اللغوية ذات الظلال الشعرية، موحياً بالمعاني في شكل تعليقات تلفظها الشخوص من دون قصد». ولفت إلى أن الكاتب عبّر ضمناً عن رفضه الشديد للتشوهات «التي أخذت المدينة الحديثة تحدثها في ذاكرة مجتمعه وفي جسد مدينته، وهو رفض لكل المتغيرات التي تجلت في العمران والحضارة المادية وإسقاطاتها وانعكاساتها المعنوية». وختم أن إطلاق «قصة الشخصية» يصدق على هذه الرواية بامتياز من دون التقليل من قيمتها الإبداعية، «فالراوي الخارجي الذي وظفه الكاتب في أول الرواية ليقوم بتشكيل الفضاء المكاني والزماني لهجرة القبيلة من الجنوب للشمال «الحدود»، بحثاً عن القمح (الوجود) كما عبر عن ذلك شيخ القبيلة، ما هو إلا الشاب «الراوي» الذي أمسك بمقاليد السرد في مرحلة الإقامة في الحدود، والتي تجلت في الجزء المعنون بالهامش وهو الذي تشظّى به مبدع الرواية لينقلها إلى أجواء الحدود بانعكاساتها الفلسفية». وأكد أنه اعتمد استخدام تقنيات جديدة ولكن ليست في أطر الرواية المألوفة، مشيراً في نهاية ورقته إلى القدرة اللغوية الفاتنة التي يتملكها الروائي الجهني ووظفها بشكل كبير في فصول الرواية، التي تمت عنونتها بعبارات منقطعة شيئاً ما عن المضمون. وتداخل مع الورقة عدد من الحضور، وكانت إشارة الدكتور عصام سندي إلى أنها تندرج ضمن الروايات الجديدة، التي تنغمس في التعابير اللغوية وتغيب فيها ملامح الشخوص والأحداث، وأنه في صدد إجراء دراسة أيضاً عن الرواية كونها على حد تعبير الدكتور فيصل تحتاج إلى أكثر من مبحث نقدي. وقال الدكتور موسى العبيدان إن الرواية تأخذ المكون القبلي كمعادل موضوعي للشخصية الساردة، وأنها تحكي التفاصيل المكانية الواقعية على الحدود في منطقة تبوك، مؤكداً أن استخدام العنونة للفصول لا تعكس علاقة منطقية وإنما إبداعية بينها وبين المضمون. في حين اكتفى الدكتور نايف الجهني بالقول إنها تعبر عن مرحلة طفولية باكرة من حياته على الحدود، وأن الشعر والفلسفة كانا هما البطل الفني لها، وأنه أصر أن تخرج كما هي، مشيراً إلى أنه أراد أن يختط لنفسه طريقاً يعبر عنه بغض النظر عن الارتهان للشروط التقليدية، وأن الإبداع لا بد من أن يخرج عن فلك الكتابة المألوفة.