يضيف الدكتور حسن حجاب الحازمي الى المكتبة النقدية الأدبية السعودية والعربية كتابا نقديا هاما هو " البناء الفني في الرواية السعودية " الصادر عام ( 2006 ) ، وهو دراسة نقدية تطبيقية منذ البداية التأريخية للرواية السعودية الى نهاية القرن العشرين . يتناول فيه اتجاهات الرواية السعودية ، ومفهوم البناء الروائي من الاتجاه التقليدي الى الاتجاه التجديدي ، والتجريبي ، و مكونات البناء الروائي ، و رؤى الأحداث ، والحبكة، والشخصيات ، والمكان ، والزمن ، واللغة ، وأسلوب التناول لإضاءة المعاني والدلالات والمدلولات ، من عناصر التمثيل الثقافي العربي ، الى الأوضاع الراهنة ومعطياتها الظاهرة والكامنة . نشر عبد القدوس الأنصاري أول رواية هي " التوأمان " عام ( 1349 هجرية – 1930 م ) ، وتمثل البداية التأريخية للرواية السعودية كما رأى المؤلف ، وتوقف عند الدراسات التي عنيت بالتأريخ للرواية السعودية ونشأتها وتطورها ، ومنها دراسة الدكتور السيد محمد ديب " فن الرواية في المملكة العربية السعودية بين النشأة والتطور " ( 1410 هجرية ) ، ودراسة الدكتور سلطان سعد القحطاني "الرواية في المملكة العربية السعودية ، نشأتها وتطورها " ( 1419 هجرية ) ، ودراسة بدرية إبراهيم السعيد " تطور فن الرواية العربية السعودية 1349 – 1410 هجرية ) ، الى كتب ودراسات كثيرة في هذا المجال . تجدر الإشارة مقدما الى أن هذا الكتاب هو رسالة علمية حصل الباحث بموجبها على درجة الدكتوراه في النقد الأدبي الحديث بتقدير ممتاز من جامعة الإمام محمد بن سعود بالرياض ، وهذا يقود الى المنهج العلمي الذي سار عليه الناقد ودقته العلمية . أوجز الناقد في كتابه مؤلفات الرواية السعودية واتجاهاتها فيما بين ( 1400– 1418 هجرية) ، وصنفها الى روايات تعليمية وواقعية وتأريخية ومغامرات وتسلية عند الكثير من الروائيين ، وتفضي الى الملاحظات التالية : 1- الازدهار الكمي ، إذ بلغ عدد الروايات في تلك الفترة نحو مائة رواية 0. 2- ظهور أسماء جديدة اقتحمت ميدان الرواية بقوة وسجلت حضورا متميزا . 3- تطور فني ملحوظ وميل الى التجديد، واقتحام لآفاق التجريب ، حيث حفلت الرواية السعودية بتوظيف كثير من الأدوات الجمالية كالتناوب الزماني ,وتعدد الرواة ، والحكايات وتداخلها ، والإفادة من تيار الوعي بصورة أكبر ، وتوظيف التراث التاريخي والأسطوري والشعبي ، واستخدام لغة شعرية مكثفة . 4- واكبت الرواية السعودية في هذه المرحلة ما شهدته المملكة من تطور وتحولات اجتماعية واقتصادية وفردية . 5- فقدت الرواية السعودية حياءها الذي يميزها عن الروايات العربية , ولغتها المهذبة المحتشمة وخاصة مع صدور رواية " شقة الحرية " لغازي القصيبي و ورواية " العدامة " لتركي الحمد . 6- شهدت هذه المرحلة حركة نقدية روائية قوية إذ ظهر خلالها أول كتاب مستقل عن الرواية السعودية هو " فن الرواية في المملكة العربية السعودية بين النشأة والتطور " للدكتور السيد محمد ديب ، وتبعه أكثر من باحث وضعوا كتبا عن الرواية السعودية ، بعضها رسائل علمية جامعية . اهتم الناقد حسن حجاب الحازمي في كتابه ، بأبحاث نقدية ودراسات علمية تناولت اتجاهات الرواية السعودية فيما بين ( 1400 – 1418 هجرية ) ، وتندرج الروايات السعودية الصادرة خلال تلك الفترة تحت ثلاثة اتجاهات هي : 1- الاتجاه التقليدي ، وتندرج في إطاره الروايات السعودية التي حافظت على بنية الرواية التقليدية من حيث اعتمادها على السرد التتابعي للأحداث الخاضع للتسلسل الزمني الطبيعي ، والملتزم بالمنطق القائم على تعليل الأحداث ، وربط بعضها ببعض ، وبناؤها للشخصية بناء كاملا يشمل أبعادها كلها الجسمية والنفسية والاجتماعية ، والتعامل معها على أنها كائن حي له وجوده الفعلي ، وعنايتها بالمكان ، ووصفه بدقة تعين على رسم ملامحه ، وتحدد معالمه ليكون موازيا للمكان الواقعي واعتمادها على راو واحد ، ولغة واضحة ، ساعية من خلال طريقة بنائها للمكونات السردية الى تحقيق أعلى قدر من الوضوح والواقعية . 2- الاتجاه التجديدي : عمد الاتجاه التجديدي في الرواية السعودية الى التجديد عبر عدة وسائل سعت من خلالها الى كسر بعض قوانين البنية التقليدية الصارمة ، وخلخلة بنائها المنظم ، ولكنها لم تسع الى إلغاء عناصرها المشكلة لها ( الأحداث والشخصيات ، والزمان ، والمكان، واللغة .. ) ، وإنما غيرت طريقة تعاملها معها ، وتشكيلها داخل النص ، بحيث لم تعد الرواية تكوينا طيعا ذا تنام متدرج منتظم ، بل تحولت الى حركة موارة تتداخل فيها الأزمنة ، ويتعدد الرواة ، وتختلف زوايا الرؤية، وتتكثف اللغة ، وذلك يتطلب قارئا يقظا يفك اشتباك النص ، ويملأ فراغاته ، ويعيد ترتيبه ، مشاركا بذلك في إنتاجه ! 3- الاتجاه التجريبي : ارتادت الرواية السعودية آفاق التجريب مضحية في سبيل ذلك بالبنية التقليدية للرواية ، وتنطلق خطوات التجريب مغامرة إبداعية تسعى للخروج على القواعد المقررة ، وهكذا تغدو الرواية تجريبا متصلا , وبحثا دائبا عن أشكال جديدة ، وليست ثورة - فقط – على الشكل الروائي المألوف ، وإنما ثورة مستمرة ، وتحطيم دائم حتى لأشكالها التي تصطنعها . وقد امتدت تأثيرات هذا الاتجاه الى الرواية ، فبرز فيها تيار تجريبي يسيطر عليه الغموض ، وتشظية الشكل ، وتشذيره ، فالرؤية الداخلية والاستبطان الذاتي ، والبحث عن اللاوعي المتعالي ، وما الى ذلك من استخدام أساليب المسخ والتشويه والتحويل عبر لغة تجري! دية تحاول أن تقدم عالما أسطوريا أدى الى هذا التداعي الشكلي غير المنسجم والدال في الوقت نفسه . أشار الناقد الى عدد من الروايات في هذا الاتجاه التجريبي ، حيث تتعالق موضوعاتها مع نص تراثي وأسطوري وفولكلوري وشعبي ، ومهّد كذلك لمفهوم البناء الروائي في الشخصيات والأحداث والزمان والمكان والحبكة والراوي واللغة ، وأبرز أهم عناصر البناء الروائي كالسرد والعناصر المكونة لنظرية الأدب وعالم الرواية ، تناول الفصل الأول الأحداث الرئيسة والثانوية في الرواية السعودية ، وبناء الأحداث وأنساق التتابع ، والتضمين ، والتناوب ضمن روايات عصام خوقير ، وإبراهيم الناصر ، وفؤاد صادق مفتي ، وليلى الجهني ، وعبده خال ، وعبد الله جمعان الزهراني ، وقدم لهذا الفصل بمدخل نظري عن مفهوم الحدث الروائي ، وأنواعه ، وطرق بنائه ، وأهميته ، وعلاقته الوثيقة ببقية مكونات العمل الروائي . بينما تناول في الفصل الثاني الحبكة في الرواية السعودية ، وأنواعها : التقليدية والحديثة ، والمتماسكة والمفككة ، والبسيطة ، والمركبة ، وحلل عناصرها ووسائل التسويق ، والتدافع ، والإيقاع والتوقيت ، والنهاية ، مطبقا على روايات " لحظة ضعف " ، و" لا .. لم يعد حلما " لفؤاد صادق مفتي ، و " السنيورة " و " الدوامة " ، و " سوف يأتي الحب " لعصام خوقير ، و " فتاة من حائل " لمحمد عبده يماني , و " الصندوق المدفون " و " قبو الأفاعي "! ، و " فلتشرق من جديد " لطاهر عوض سلام ، و " الأشباح " و " الوظيفة حبيتي " لهادي أبو عامرية ، و " لا ظل تحت الجبل " و" تراب ودماء " لفؤاد عنقاوي ، و " وداعا أيها الحزن " و " قلوب ملّت الترحال " لغالب حمزة أبو الفرج . خلص الباحث الى أن الروايات السعودية كانت متفاوتة في تعاملها مع عناصر الحبكة ، وبعضها نجح في بناء حبكة متماسكة ذات بداية مثيرة وجاذبة ومحققة لمقومات البداية الناجحة ، وسارت بإيقاع متوازن باثّة عناصر التشويق على امتدادها ، وانتهت نهاية منطقية مقنعة ومحققة لأهدافها . في الفصل الثالث تناول الناقد بناء الشخصيات الرئيسة وأبعادها : الجسمي ، والنفسي ، والاجتماعي ، والعلاقة بين الشخصيات الرئيسة والثانوية ، ودورها في البناء الروائي من خلال محورين مرتبطين بتصنيف الشخصيات هما الشخصيات الرئيسة والثانوية ، مطبقا على روايات فؤاد مفتي ، ورجاء عالم و أحمد الدويحي و عبد العزيز الصقعبي ، وإبراهيم الناصر ، وعبد العزيز المشري ، وتركي الحمد ، وأمل شطحا ، وهادي أبو عامر ، و ليلى الجهني ، ومحمد عبده اليماني ، وعبده خال 0حيث وجد أن أغلب الروائيين السعوديين حرصوا على بناء شخصياتهم بناء كاملا تبعا للحاجة الفنية والمضمونية الى البعد المعتنى به داخل النص ، فهناك شخصيات رسم بعدها الجسمي بعناية ودقة ، وشخصيات رسمت ملامحها رسما عاما لا يحمل أي خصوصية ، وشخصيات لم توصف ملامحها وصفا كاملا ، لكنها ميزت بصفة خاصة ، أو ملمح مميز كان أدعى لثباتها في ذهن المتلقي . درس في الفصل الرابع المكان في الرواية السعودية وأنواعه ، والعلاقة بينه وبين كل من الحدث والشخصية ، وألمح الى المصطلحات الجديدة التي ظهرت مثل مصطلح الفضاء والحيز ، متناولا أصولها ، ومفهومها ، ورجح استخدام المكان بوصفه مصطلحا ثابتا في النقد الروائي ، فالمكان له أهميته وعلاقته الوثيقة ببقية المكونات الروائية ، وخلص الى أن المكان من أهم عناصر البناء حضورا وتفاعلا وتوظيفا في الرواية السعودية ، بل إنه يكاد يحتل في عدد منها مرتبة البطولة ، ويشكل شخصية رئيسة ، الى جانب القضايا الاجتماعية المرتبطة بالبيئة السعودية والمتأثرة بالتحولات الاجتماعية فيها . خصص الناقد الفصل الخامس لدراسة الزمن الروائي : الماضي والحاضر، والمستقبل كالاسترجاع والاستباق ، ثم الزمن الروائي من حيث السرعة والبطء ، ثم الزمن التاريخي بشقيه المكاني والاجتماعي ، مطبقا على روايات عديدة 0أما الفصل السادس فدرس فيه اللغة من خلال تحليل مستويات السرد : ( اللغة التقريرية ، والتصويرية، والتعبيرية ، والتسجيلية ، 00الخ ) ، وبلاغة لغة السرد ، ومستويات لغة الحوار : ( الفصحى ، والعامية ، والحوار بينهما ) ، وعيوب الحوار مثل عدم ملاءمته للشخصيات والبيئة ، وطوله ومسرحته ، وخلص الى أن لغة السرد في الرواية السعودية حافلة بتنوع مستوياتها ، ففيها اللغة التقريرية ، والتصويرية ، والتعبيرية ، والتسجيلية ، واللغة المضمنة ، وتحدث عن مفهوم بلاغة السرد ، وسجل الحوار باللغة الفصحى حضورا أقوى وأكبر في الرواية السعودية يليه المزج بين الفصحى والعامية ، في حين يأتي الحوار بالعامية في عدد قليل منها . ختم الناقد في الفصل السابع بأسلوب التناول الروائي بشقية : الراوي الخارجي ( ضمير الغائب ) ، والراوي الداخلي ( ضمير المتكلم ، وتعدد الرواة ، وناقش أسلوب التناول الروائي في الرواية السعودية . خلص الناقد الى مجموعة استنتاجات هامة هي : 1- شهدت الرواية السعودية خلال الفترة المدروسة ازدهارا كميا واضحا ، حيث زاد مجموع ما أنتج من أدب روائي عن مائة رواية . 2- سيادة البناء التقليدي على بناء الرواية السعودية ، ويبدو ذلك واضحا من خلال سيطرة نسق التتابع في بناء الأحداث ، وغلبة الحبكة التقليدية ،وسيطرة البناء التقليدي في بناء الشخصية وبناء المكان . 3- وجود محاولات جادة للتجديد في الرواية السعودية فيما يخص الزمن الروائي ، والراوي ، والتسلسل التتابعي للأحداث ، والخط الزمني ، وتعدد الحكايات وتداخلها ، وتكثيف اللغة . 4- ارتباط الرواية السعودية الوثيق ببيئتها ، وسعيها للتعبير عنها مكانيا واجتماعيا . 5- فقدان الرواية السعودية لأهم خصيصة ميزتها عن الرواية العربية والعالمية ، وتميزت بها على امتداد رحلتها الطويلة، وهي لغتها المؤدبة ، وحياؤها الفطري الذي يشي بحياء كتّابها وشخصياتها . 6- هناك عدد من الروائيين السعوديين لا يتطورون فنيا على الرغم من محاولاتهم الدائبة وتجاربهم المتكررة ، وتظل أخطاؤهم الفنية تتكرر ، وأرجع ذلك الى تجاهل النقاد لتجاربهم . 7- فهم الروائيين السعوديين لمكونات البناء الروائي وأهمية كل عنصر، وطرق البناء المتنوعة ، وطرق تقديمها ، ولكن يوجد تباين واضح فيما بينهم في الإفادة من هذا الفهم وهذه المعرفة ، تبعا لخبرة كل كاتب وموهبته الفنية 0 من خلال هذه الاستنتاجات الهامة يبدو جليا أهمية شغل الناقد حسن حجاب الحازمي بين الأبحاث السعودية والعربية عن الرواية السعودية ، فهو أنجز عملا نقديا أحاط فيه بالمادة المدروسة من جوانبها كافة ، وأضاف بذلك الى المكتبة النقدية العربية والسعودية مؤلفا مهما ، وتبدت أهمية شغله من خلال التزامه بالمنهج الوصفي التحليلي المعني بإضاءة المضامين والمكونات اللغوية والدلالية والأسلوبية والفنية ، وعناصر المنهج الاتباعي الذي يضيء جوهر السمات والمكونات الروائية ، ويكشف عن الآليات والتقانات وأبعادها الفكرية والفنية . على أني اختلف معه في رأيين نقديين يتعلق الأول بفقد الرواية السعودية لحيائها ولغتها المؤدبة التي ميزتها عن الروايات العربية والعالمية ، وبرأيي أن هذا يكسب الرواية السعودية ميزة مواكبتها للتغيرات العالمية المتسارعة , وما فرضته من أنماط علاقات ، استدعى لغة روائية موازية ، الى جانب انفتاح الروائي السعودي على المنجز الروائي العربي والعالمي ، وفرض المدى الروائي لغته وسرديته الخاصة به ، شرط ألا تنزل لغة الرواية الى درك الشوارعية العقيمة لغة وأخلاقا . والرأي الثاني يتعلق بوقوف بعض الروائيين السعوديين عند مستويات فنية محددة ملقيا اللوم على النقاد لتجاهلهم أعمال هؤلاء ، وأرى أن هذا الأمر يتعلق بالمقام الأول بالروائي نفسه ، هل هو قادر على تطوير تجربته الروائية ، أم توقف عند مستوى فني لا يستطيع أن يتخطاه ، على أن لوم النقاد إزاء ذلك يتعلق بصراحتهم النقدي! ة إزاء الشغل الروائي لهؤلاء . و هذا الاختلاف ، لا يؤثر في تقدير جهد الناقد ، ولا في قيمة الكتاب المنجز ، وكنت أفضل لو تخلص لدى طباعة رسالته العلمية في كتاب من بعض مستلزمات البحث العلمي ، مثل الإطالة والشرح والتوصيف والإحالات وغير ذلك مما يقتضيه البحث العلمي .