كان نائماً في سريره كما في كل ليلة، حين صرخ الجيران: «الإسرائيليون دخلوا. الإسرائيليون يضربوننا». انتفض الطفل الصغير في مكانه، قبل أن تخطفه يد بسرعة وتخرجه من المنزل الذي تحول خلال لحظات إلى أنقاض. غير أن سرعة اليد لم تسبق سرعة الشظية التي أدركته ولم يشعر بنفسه إلا وهو في مستشفى معهد ناصر في مصر. هذه حكاية الطفل محمد البشير الذي لم يتجاوز الثانية عشرة، والذي استهدفته نيران القصف الإسرائيلي في ما سمي ب«مذبحة الشجاعية» في 20 تموز (يوليو) الماضي. البشير كان واحداً من الفلسطينيين المصابين الذين نقلوا إلى مصر عبر معبر رفح للعلاج. يقول بشير أبو طويلة، والد محمد، إن «إسرائيل قصفت كل البيوت، وحوّلت المدينة إلى مدينة أشباح. إسرائيل لا تستهدف إلا المدنيين، وتستخدمهم ورقة ضغط على المقاومة، مستغلة تواطؤ المجتمع الدولي معها». ولم يجد بشير وسيلة للنجاة بنفسه وابنه إلا بالسفر إلى مصر، مشيراً إلى أن «السلطات المصرية فتحت معبر رفح بعدما كان مغلقاً، وسهلت إجراءات عبورنا الحدود، ونقلت سيارة الإسعاف ابني، وتم إجراء العملية بنجاح له». ويتابع أبو طويلة: «أنا سأعود إلى غزة ولن أتركها. قدّمت عائلتي شهيدين، وثمانية جرحى، إضافة إلى ابني». يحلم ابنه محمد هو الآخر بالعودة إلى وطنه «لمقاومة العدو الإسرائيلي»، كما يقول الطفل الذي شهد في النصف الثاني من عمره ثلاثة حروب مدمرة. في الغرفة المجاورة لغرفة عائلة أبو طويلة، ترقد تقى، الطفلة البالغة من العمر أربع سنوات، مصابة في عظام الحوض. تحيط بها أجهزة طبية عدة تخفّف من ألم مشهدها باقات الورد المتناثرة التي أرسلها رئيس الوزراء إبراهيم محلب وغيره من الزوار الكثر. وفي الجانب الآخر من الحجرة، ترقد سيدة مسنّة مصابة في البطن بشظايا صاروخ. «إسرائيل ضربت ثلاثة صواريخ في اليوم الثامن من الحرب على منزل عائلتي المكون من ثلاث طبقات، وفيه حوالي 35 شخصاً، استشهد 8 أشخاص وأصيب 15، بين إصابات حرجة وإصابات متوسطة»، هكذا يحكي زياد أبو زيد، والد الطفلة، وابن السيدة عن تفاصيل إصابتهما. ويضيف أبو زيد أنهما نقلتا إلى مستشفى ناصر في قطاع غزة، وأُجريت لهما الجراحات العاجلة، ثم نقلتا إلى مصر «نظراً إلى ضيق المستشفى، وزيادة أعداد مصابي الحرب البربرية الهمجية، وتم التنسيق مع وزارة الصحة المصرية على استيعاب أكبر عدد من المصابين أصحاب الحالات الخطرة، ففتحت المعابر واستقبلنا بحفاوة بالغة». وعلى غرار ما حدث في عدوان شتاء عام 2008 وبداية عام 2009، حيث استخدمت إسرائيل أسلحة محرمة دولياً في عدوانها على غزة، يؤكد الأهالي أن إسرائيل استخدمت هذه المرة أسلحة فتاكة، وهو ما يؤكده أبو زيد قائلاً: «إسرائيل تواجهنا بصواريخ ذات قدرات انفجارية عالية، لها قوة سحب الهواء المحيط وتفريغه في انفجار مهول لا يترك شيئاً. هذه الحرب أشد قوة من العدوانيين الماضيين». رغماً عن قوة الألم وكثرة القتلى، إلا أن الأهالي يعلمون أن إسرائيل بضربهم تضرب المعارضة: «لو ضعفنا لحققت إسرائيل هدفها، لكننا أقوياء ومستعدون أن نقدم المزيد من الشهداء».