نائب أمير المنطقة الشرقية يعزي أسرة فيحان بن ربيعان    الأسهم الأمريكية تغلق على ارتفاع    تعاون مثمر    الذهب يتراجع من أعلى مستوياته التاريخية وسط تزايد الإقبال على المخاطرة    القوات الجوية الملكية السعودية تشارك في تمرين "علم الصحراء 10"    برعاية الملك ونيابة عنه.. أمير الرياض يكرم الفائزين بجائزة الملك فيصل لعام 2025    عدنان إبراهيم    اعتماد جمعية رعاية كبار السن بمنطقة جازان    %13 نمو ممارسة السعوديين للألعاب الشعبية    تفوق ChatGPT يغير السباق الرقمي    5 مميزات خفية في Gemini    الدرعية بطلاً لدوري الدرجة الثانية على حساب العلا    رونالدو يتوج بجائزة هدف الجولة 27 في دوري روشن للمحترفين    طرح الدفعة الثانية من تذاكر الأدوار النهائية لدوري أبطال آسيا للنخبة    محطة أرضية للطائرات المسيرة    زهور حول العالم    10 سنوات على تأسيس ملتقى أسبار    5 مكاسب بتبني NFC في الممارسة الصيدلانية    نادي الثقافة والفنون في جازان يحتفي بعيد الفطر في أمسية شعرية من أجمل أماسي الشعر    الفلورايد تزيد التوحد %500    تأثير وضعية النوم على الصحة    دول غربية تعالج التوتر بالطيور والأشجار    تحت رعاية الملك ونيابة عنه.. أمير الرياض يكرم الفائزين بجائزة الملك فيصل    فرع الإفتاء بجازان يقيم برنامج الإفتاء والشباب في الكلية التقنية بمدينة جازان    ‏برنامج الإفتاء والشباب في مركز تدريب الأمن العام بمنطقة جازان    رئيس اتحاد التايكوندو: المسؤولية مضاعفة ونحتاج تكاتف الجميع    كوزمين: مرتدات التعاون تقلقني    (16) موهوبة تحول جازان إلى كرنفال استثنائي    جلوي بن عبدالعزيز يعتمد هيكل الإعلام والاتصال المؤسسي بإمارة نجران    سمو وزير الخارجية يتلقى اتصالًا هاتفيًا من وزير خارجية سوريا    "الشورى" يقر نظاماً مقترحاً لرعاية الموهوبين    الاستراتيجية الوطنية للتقنية الحيوية.. مستقبل واعد    جولة جديدة من المحادثات النووية بين واشنطن وطهران في روما    الذهب الإلكتروني لجامعة سعود    الأمم المتحدة تدين الهجمات على مخيمات النازحين بالسودان    «حماس» توافق مبدئيًا على توسيع صفقة الأسرى.. انفراجة محتملة بالمفاوضات    دعوة المنشآت الغذائية للالتزام بالاشتراطات الصحية    القبض على مواطن لتكسيره زجاج مواقع انتظار حافلات في الرياض    أمير تبوك يزور الشيخ محمد الشعلان وبن حرب والغريض في منازلهم    مستشفى أحد رفيدة يُنظّم فعالية "اليوم العالمي للزواج الصحي"    جمعية البر بأبها تعقد اجتماع جمعيتها العمومية    في جدة.. إثارة الفورمولا 1 تعود على أسرع حلبة شوارع في العالم    الصحة القابضة والتجمعات الصحية يحصدون 8 جوائز في معرض جنيف الدولي للاختراعات    وزارة البلديات وأمانة الشرقية و وبرنامج الأمم المتحدة يطلعون على مبادرات التطوير والتحول البلدي    اتفاق سعودي – أمريكي مرتقب في الطاقة والتكنولوجيا النووية المدنية    مدير فرع الهلال الأحمر يستقبل مدير عام فرع وزارة الموارد البشرية والتنمية الإجتماعية    الزامل مستشاراً في رئاسة الشؤون الدينية بالحرمين    الرئاسة العامة لهيئة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر توقع مذكرة مع جامعة الملك خالد    وقفات مع الحج والعمرة    أمانة جدة تصادر 30 طنًا من الفواكه والخضروات    "محراب" أول قائد كشفي يرتدي الوشاح الجديد لكشافة شباب مكة    ترقّب لاختراق حاسم نحو إنهاء حرب تستنزف الجميع.. تقارب واشنطن وموسكو يقابله تصعيد دام في أوكرانيا    ضغط عسكري متزايد على آخر معقل للجيش في دارفور.. الدعم السريع يصعد في الفاشر ويستهدف مخيمات النازحين    أسرة العساكر تحتفي بزواج خالد    شيخ علكم إلى رحمة الله    إطلاق 25 كائنًا فطريًا في محمية الإمام تركي بن عبدالله    إطلاق 2270 كائنا في 33 محمية ومتنزها    أمير تبوك يعزي أبناء جارالله القحطاني في وفاة والدهم    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



العنصرية تجاه العمالة الأجنبية
نشر في الحياة يوم 19 - 11 - 2013

شاهدنا في الأيام الماضية صعوداً مظفراً لخطاب عنصري ضمن سياق الحملة التصحيحية الموجهة ضد العمالة الأجنبية في السعودية. لعب هذا الخطاب دوراً تعبوياً وتبريرياً لممارسات مفرطة في شدتها، وكان بالإمكان تفاديها بسهولة. ما سأحاول فهمه في هذه المقالة هو السر وراء سهولة بروز وسرعة تفشي مثل هذا الخطاب.
لكن قبل طرح أية إجابة، سأوضح ماذا أقصد بالعنصرية، فعلى رغم أنها مسألة تؤثر في سلوكياتنا وأخلاقيتنا، إلا أنها ليست مسألة محصورة في المجال الأخلاقي، أي أنها ليست محض التحيزات أو مشاعر الكراهية والحب التي قد يحملها الواحد منّا تجاه مجموعة من البشر تتشارك بسمة أو صفة محددة.
إن العنصرية بنية اجتماعية، أي أن هذه المشاعر والتحيزات تشكلت ونبعت ضمن سياقات ومؤسسات اجتماعية وقانونية وسياسية واقتصادية أنتجتها وتعيد إنتاجها باستمرار، جاعلة منها شيئاً أشبه ما تكون بالمسألة الطبيعية.
فعلى سبيل المثال، في الولايات الجنوبية الأميركية قبل الحرب الأهلية، كانت هناك مؤسسة للعبودية. كانت هذه المؤسسة تعتبر أشبه ما تكون بالطبيعية، وذلك نتيجة ترسخها لعقود من التشريع القانوني والأعراف الاجتماعية والمصالح الاقتصادية. قد يدين أحد الأفراد هناك «المعاملة السيئة للعبيد»، لكنه لن يدين حقيقة كونهم عبيداً، إن عدم الإحساس بوجود مشكلة هنا هو الجذر العميق لكل كراهية أو عنف قد ينجم تجاه المجموعة البشرية الخاضعة للعنصرية.
لننتقل إلى إشكاليتنا السابقة الآن، قد يبادر البعض بطرح تفسير سريع من كلمة واحدة قائلاً: «الإعلام»، أي أن البعد الإعلامي للحملة سواء في تغطيته للأحداث أم في حثه المجتمع على التعاون معه أم في محاولته التسويغ والتبرير، أسهم في تأجيج هذه التحيزات العنصرية وتوفير إطار تبريري له.
في الحقيقة، إن هذا الجواب ليس دقيقاً، فالإعلام يحفز ويضخم «صحيح»، لكنه يحفز ويضخم تحيزات ومشاعر موجودة، ولا يستطيع خلق جديد، تستطيع عبر الإعلام أن تؤجج مشاعر الناس الدينية، لكنك لا تستطيع عبر الإعلام أن تجعلهم يتبنون ديناً جديداً. فصحيح أن المعالجة الإعلامية للحملة كان قائماً على تأطير المسألة ضمن سياق أمني وواجب وطني ونوع من الشيطنة للعمالة، إلا أن هذا لا يتجاوز كونه تحفيزاً لا إنشاء.
قد يأتي آخرون لطرح المسألة بإرجاعها إلى بعد اقتصادي بحت، أي أنه في أي مجتمع تتزايد فيه معدلات البطالة يزداد الحنق والغضب من العناصر الأجنبية، خصوصاً إذا كانت منتجة وفاعلة، في البلد. يقوم المحبطون بتفريغ غضبهم من وضعهم الاقتصادي عبر تبني نبرة عنصرية شوفونية حادة ضد الأجنبي، إلا أن هذا التفسير ليس دقيقاً أيضاً. فالبعد الاقتصادي مهم، لكن أهميته لا تنحصر بالنظر إلى العلاقة بين البطالة والعنصرية، بل يتجاوز ذلك في كونه يوفر أساساً يجعل التقسيم والفصل ممكناً. فسوق العمل السعودي منذ تأسيسه في الستينات الميلادية كان سوقاً مقسماً على أساس الجنسية، السعوديون في القطاع العام والأجانب في القطاع الخاص. ومع امتلاء القطاع العام الذي ترافق معه انفجار سكاني نشأت مسألة البطالة التي تسعى وزارة العمل إلى حلها عبر إحلال المواطنين مكان الأجانب في القطاع الخاص، إن جذور «التمايز» سابقة على البطالة، ونابعة في شكل أساسي من كونها عواقب لتبني حلول ظرفية للمشكلات والأزمات.
فمنذ البداية، كان هناك ارتباط عضوي بين الجنسية والوضعية الاقتصادية والقانونية للعامل في سوق العمل السعودي، هذا الترابط أنشأ حالاً اجتماعية جعلت من الجنسية والمهنة والمكانة الاجتماعية حالات مترادفة. على سبيل المثال، أصبح من الدارج في اللغة المحكية تسمية المهن بأسماء الجنسيات، مثلا: «جب لك هندي يصلح لك هذا الخراب»، ف«هندي» هنا ليست جنسية بل «مهنة». فعلى رغم كون الهندي في السعودية قد يعمل طبيباً ومهندساً وعامل نظافة وسائق تاكسي وميكانيكياً إلا أنه، ربما لأسباب تتعلق بكمية العمالة الهندية في وقت مضى، ولكون الوظائف الحرفية اليدوية هي الظاهرة للعيان والتي يمكن للجميع تجربتها في شكل يومي، كل هذا جعل من الممكن الترادف بين الكلمتين.
هذه الأعراف الاجتماعية التي تشكلت وتراكمت ضمن سياق زمني يمتد لخمسة عقود جعلت حاجز الجنسية ظاهراً في حياتنا اليومية، وجعل منه مركباً قيمياً يحمل في داخله تحيّزات طبقية واجتماعية واقتصادية، أي أن هذا الوضع أسهم في إنتاج عقدة تفوّق أخلاقية وذهنية وثقافية مرتبطة بالجنسية.
وبإعادة الاعتبار لعقدة التفوّق هذه، يمكن فهم الأثر الذي لعبته البطالة ويلعبه الإعلام. فمنذ التسعينات دخلت هذه العقدة في أزمة كبيرة مع نمو وتضخم مشكلة البطالة، إذ إن البطالة هنا ليست أزمة مادية فقط بقدر ما هي إهانة رمزية دائمة لفكرة التفوّق، وإنكار مستمر لها. في مثل هذه الحال الملتهبة لن يحتاج الإعلام إلى جهد كبير لإظهار كل هذه الجروح المحتقنة للسطح.
إن تجاهل هذه الأعراف الاجتماعية والتراكمات التاريخية للعنصرية بيننا، يجعل للسياسات التي يفترض فيها تقديم الحلول دوراً فاعلاً في تأجيج نارها. إن السياسات التي تكتفي بحل المشكلات الاجتماعية من جوانبها الاقتصادية البحتة وإغفال الأبعاد الأخلاقية والاجتماعية للقضايا لهي سياسات أسهمت في تشكيل العنصرية وإعادة تأكيدها، خصوصاً إذا ما جعلت معالجتها الإعلامية تتبنى أُطُراً تجعل من تحفيز التراكمات التاريخية أمراً محبباً ومطلوباً، بل واجباً وطنياً.
* كاتب سعودي.
[email protected]
@sultaan_1


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.