كانت مصادفة تاريخية ان تبدأ «الحياة» عمرها الثاني من لندن في تشرين الاول (اكتوبر) 1988 في تزامن مع بداية سلسلة من تغييرات سياسية جذرية شملت دول أوروبا الشرقية الخاضعة لسيطرة موسكو (المنظومة الاشتراكية وفق التوصيف الشيوعي الرسمي)، وهي تغيرات أدت خلال 1989 الى نشوب الثورات في اوروبا الشرقية ولاحقاً الى زوال الاتحاد السوفياتي في 1991 ونهاية الحرب الباردة التي قسمت العالم بعد الحرب العالمية الثانية الى شرق وغرب. العد العكسي لهذه التطورات بدأ عملياً بعد انتخاب ميخائيل غورباتشوف زعيماً للحزب الشيوعي السوفياتي في ربيع 1985 ليشكل تنصيبه في ذلك المنصب نهاية لسيطرة الحرس القديم على مصائر الحزب والبلاد والعباد، في مسعى الى اخراج الاقتصاد السوفياتي قبل كل شيء من حال الجمود التي طبعت عهد الزعيم السابق ليونيد بريجنيف (1964-1982) وخلفت عواقب وخيمة على كل مظاهر الحياة في الاتحاد السوفياتي. الى جانب الخراب الاقتصادي واجه غورباتشوف تحديات على كل الجبهات بداية من كارثة الوجود العسكري في افغانستان وصولاً الى التعامل مع رئيس أميركي (رونالد ريغان) كان تعهد بالقضاء على «امبراطورية الشر» السوفياتية. لمواجهة هذه التحديات أعلن غورباتشوف مبدأ ال «غلاسنوست» (الشفافية) لإتاحة نوع من حرية التعبير للمواطن العادي، وأتبعه بال «بيريسترويكا» (اعادة البناء) كعلاج لا بد منه للدولة المريضة. وبذلك أطلق العنان لعملية أظهرت التطورات والأحداث اللاحقة استحالة السيطرة عليها وتوجيهها، إذ سرعان ما اكتسبت زخماً عجز عن وقفه كل جبروت الحزب الشيوعي الحاكم. رافقت ذلك كله اضطرابات أهلية وتدهور اقتصادي وعدم استقرار سياسي. سعى غورباتشوف الى احتواء الازمات ومواجهة النزعات الاستقلالية للجمهوريات فأقدم على إجراء استفتاء عام في مطلع 1991 اسفر عن تصويت الغالبية لبقاء الاتحاد السوفياتي لكن في ظل مقاطعة جمهوريات استونيا ولاتفيا وليثوانيا ومولدافيا وجورجيا وأرمينيا. في آب (أغسطس) من العام نفسه، اقدم المتشددون على انقلاب عسكري أحبطه بسرعة غريم غورباتشوف وحليفه السابق رئيس روسيا الاتحادية بوريس يلتسن لتظهر سلطة برأسين كان يلتسن الأقوى فيها. وفي كانون الاول (ديسمبر) 1991 اتفق رؤساء الجمهوريات السلافية الثلاث، روسيا وأوكرانيا وبيلاروسيا، عل حل الاتحاد السوفياتي وتشكيل اتحاد (كومونولث) طوعي للجمهوريات بديلاً. وفي 25 من الشهر نفسه اعلن غورباتشوف استقالته من رئاسة الاتحاد وإلغاء منصبه، وفي اليوم التالي أنزل العلم السوفياتي من فوق قبة الكرملين ورفع بدلاً منه العلم الروسي ذا الألوان الثلاثة. ما سلف من تطورات شملت الرأس وانتقلت الى الجسم كله، كانت في صلب العوامل التي ادت الى هبوب عاصفة الثورات في دول اوروبا الشرقية. إذ مع تنامي النزعات الاستقلالية في الجمهوريات السوفياتية، فإن قبضة الكرملين كانت تزداد ضعفاً على دول اوروبا الشرقية التي بدورها ازدادت جسارة على تحدي موسكو. بولندا وهنغاريا أخذتا المبادرة في 1989 لإجراء اصلاحات سياسية الى حد السماح بالتعددية الحزبية وإجراء انتخابات حرة، مجازفتين بالرهان على اعلان غورباتشوف انه لن يرسل قواته لقمع الحركات الاصلاحية في اوروبا الشرقية. في الأثناء بدأت «الثورة المخملية» في تشيكوسلوفاكيا لتطيح سلماً النظام الشيوعي وتقيم بدلاً منه نظاماً ديموقراطياً تعددياً. في رومانيا جاء التغيير مقروناً بالعنف بما في ذلك إعدام من دون محاكمة لزعيمها نيكولاي تشاوشيسكو وزوجته. أحداث رومانيا في كانون الأول 1989 كشفت عملياً موت حلف وارسو الذي لم يتدخل في أي من الثورات الأخرى على رغم عدم حلِّه رسميّاً إلا في شباط (فبراير) 1991. لكن الحدث الدراماتيكي الأبرز الذي دق المسمار الأخير في نعش «المنظومة الاشتراكية» والحرب الباردة تمثل في اطاحة النظام الشيوعي في ألمانياالشرقية، فإثر اضطرابات أهلية استمرت بضعة أسابيع أعلنت سلطاتها ان جميع سكانها يمكنهم زيارة الشطر الغربي من المانيا بحرية. وسرعان ما تدفقت الجماهير من الجانبين على جدار برلين وبدأت عملية هدمه بالفؤوس والمطارق قبل ان ترسل السلطات معدّات ثقيلة لإكمال هدمه. وفي الثالث من تشرين الأول 1990 أعلن رسمياً توحيد شطري ألمانيا بإجراء قانوني نص على دمج القسم الشرقي بألمانيا الاتحادية (الغربية). هكذا انهار المعسكر الاشتراكي وجدار برلين.