أقامت «الحياة» صباح أول من أمس السبت، بمناسبة الاحتفالات بمرور 25 سنة على إعادة إصدارها، ندوة حاشدة بعنوان «الحياة في عالم متغيّر» تحدث فيها نخبة من الكتّاب والمفكرين عن التغيير الذي أدخلته «الحياة» على عالم الصحافة العربية في صدورها الثاني في لندن عام 1988. كما تناول المتحدثون أبرز ميزات «الحياة» وقوّموا مسيرتها التي وضعتها في مصاف الصحف العالمية الكبرى وجعلت منها «مصدر ثقة» للقراء والباحثين وصانعي السياسات. افتتح رئيس تحرير «الحياة» الأستاذ غسان شربل الندوة بالترحيب بالحاضرين، وعلى رأسهم الناشر الأمير خالد بن سلطان ونجله الأمير فهد بن خالد. وقدّمت رئيسة تحرير «لها» هالة كوثراني للجلسة الصباحية الأولى بالإشارة إلى أن «الحياة» تُعتبر ليس فقط «صحيفة النخبة» بل هي أيضاً «صحيفة المواطن البسيط» والصحيفة التي «تواكب التغييرات السريعة في العالم». ثم تحدث البروفسور فواز جرجس، المحاضر في كلية الاقتصاد والعلوم السياسية في جامعة لندن ومدير مركز دراسات الشرق الأوسط فيها، عن «إدمانه» على «الحياة» منذ أن كان طالباً يحضّر لشهادة الدكتوراه في أواخر الثمانينات. وقال: «لا أبالغ إذا قلت إن الحياة، من بين كل الصحف العربية، هي الصحيفة الموثوقة. الصحيفة التي تُعتبر مصدر الأخبار، ومصدر نقل المعلومة الموثوقة من دون تحريف ومن مصدرها». وتابع أن «هذا ما أنشأ علاقة الثقة بين القارئ وبين الصحيفة والصحافي. فما يُنشر في الحياة بات يُعتبر مصدر ثقة». ولفت إلى أن «الحياة لم تقع في الخطأ القاتل وهو إسقاط الرأي على المعلومة»، بل «حافظت وما زالت تحافظ على الفصل بين الرأي وبين الخبر الموضوعي». وزاد أن هذا التميّز في مجال صدقية الخبر اقترن أيضاً بنجاح «الحياة» في تكوين شبكة مراسلين في معظم العواصم العالمية والعربية الأساسية، وهو أمر لم يكن متوافراً آنذاك سوى لقلة من الصحف العالمية الكبرى مثل «نيويورك تايمز» و «واشنطن بوست» و «لوس أنجليس تايمز». وبعدما أشار إلى أن «الحياة» كانت من أوائل الصحف التي دخلت مجال النشر الإلكتروني، تحدث عن صفحات الرأي فيها قائلاً إنها «نسخة مصغرة عن التعددية الثقافية والأيديولوجية في العالم العربي» وإنها «لم تستبعد أي رأي» ما سمح بإيجاد «حيّز من هامش الحرية» لم يكن متاحاً في وسائل الإعلام الأخرى. كما أشار إلى أن «الحياة» أثبتت أنها «لا تتحدث بلغة الحداثة بل هي تؤمن حقاً بالحداثة»، لافتاً إلى أنها لم «تتخندق في أيديولوجيات معينة» بل كانت منفتحة على أصحاب الآراء المختلفة، كما أنها «لا تستهين بذكاء القارئ القادر على التمييز بين الصالح والطالح». واختتم بالإشارة إلى أن «أسلوب الحياة السلس والممتع ساهم في التواصل مع القارئ»، معتبراً أنها «صحيفة مميزة بامتياز». ثم تحدثت الدكتورة فوزية البشر، الكاتبة والروائية السعودية وصاحبة زاوية «ربما» في «الحياة»، عن تجربتها كصحافية امرأة - وتجربة جيلها - في المملكة العربية السعودية، وقالت إن جيلها تفتح وعيه في ثمانينات القرن الماضي في فترة كانت ما زالت تتميز بقيود على ما يُسمح بدخوله إلى سوق المملكة (مثل كتب عبير ونجيب محفوظ وغادة السمان ونزار قباني). ولفتت إلى محظورات مماثلة في الإعلام المقروء والمسموع الذي كان يقدّم الكلام الرسمي ويصوّر الأوضاع دائماً على أن «كل شيء بخير». وتابعت أنها بدأت عملها في القسم النسائي في صحيفة «الرياض» وتعلمت كتابة الريبورتاج على الطريقة اليابانية التي تقوم على «المحاكاة والتقليد». وتابعت: «لم يكن أحد يعرف أن مكتب النساء في الصحيفة يبعد نحو 10 كيلومترات عن مكتب الرجال، وأن الرجل الوحيد الذي كانت النساء على تواصل معه كان السائق آدم الذي يأخذ مواد الصحافيات إلى مقر الرجال». وروت أن الصحافيات طلبن في إحدى المرات من رئيس تحرير «الرياض» أن يسمح لهن بالمجيء للإطلاع على طريقة التعامل مع المواد التي يكتبنها وكيف تتم طباعة الجريدة «فرحب بالفكرة». لكنها أضافت أنها وزميلاتها زرن المقر فوجدن رئيس التحرير قد أخلاه من الرجال فلم يشاهدن سوى الأجهزة التي تُستخدم لطباعة الجريدة. وتابعت أن صحيفة «الحياة» كان يُنظر إليها في تلك الفترة على أنها صحيفة للمثقفين و «رأيناها متعالية» كونها لم تهتم كثيراً بالشأن المحلي. وزادت أن هجمات 11 أيلول (سبتمبر) 2001 «هزت الجدران» و «وجدنا أنفسنا في عالم صاخب متغيّر» في مواجهة «رأي عام محلي متشدد». لكنها زادت أن هذه الهجمات سمحت بظهور تيار من المثقفين في وسائل الإعلام في مواجهة التيار المتشدد في السعودية، و «بدأنا ندرك أن الصحافة قادرة على المساهمة في التغيير»، لافتة إلى أن «الحياة» كانت آنذاك من الذين «احتضنوا التغيير واهتمت بإنشاء مكتب للنساء وسمحت لهن بشراكة حقيقية مع الرجال». وتابعت «اكتشفنا أن الحياة تسابق في احتضان آراء جريئة وطرح شجاع». وقالت: «كنا نعتبر الحياة مدرسة. كنا من قرائها، وصرنا الآن من كتابها». وفي الجلسة الثانية من الندوة، تحدث الكاتب والسياسي المصري الدكتور مصطفى الفقي، وهو أحد كتّاب المقالات في «الحياة»، فوصف الصحيفة بأنها «فريدة متميزة» وأن قيمتها الحقيقية في «الرصانة والحياد»، مؤكداً أن ليس هناك صحيفة أخرى تنافسها في «النوعية». وقال إن «الحياة» اتسمت بالتنوع الواضح في الجغرافيا والآراء المتنوعة التي تنشرها. ولفت إلى أن «الحياة» ليست مدينة في نجاحها لقطر عربي دون آخر. كما أشار إلى «حضور الفكر على الخبر الهزيل» في صفحاتها، خاتماً بأن «لا شك في أن الحياة ستواصل مسارها المهني الموضوعي». أما الدكتور خالد الدخيل، الأستاذ الجامعي والكاتب في «الحياة»، فأشار، من جهته، إلى أن إعادة إطلاق «الحياة» عام 1988 جاءت في خضم مرحلة مزدحمة بالأحداث. وقال إن عام 1988 كان عام انتهاء الحرب الإيرانية - العراقية وبعده بسنة بدأ تصدع المعسكر الشرقي ثم حصل غزو الكويت. وقال إن إعادة إطلاق «الحياة» آنذاك «ملأت فراغاً»، إذ إنها منذ انطلاقتها الثانية لم تكن صحيفة محلية بل غطت الأحداث العربية والدولية خصوصاً ما يعني العالم العربي. وقال إن رؤية «الحياة» ليبيرالية ثقافية، وبها هامش من حرية الرأي والاستقلالية و «أنا هنا أتكلم من تجربتي فقد كنت فيها منذ العام 1999». وقال إن «الحياة» قدّمت خبرها بطريقة مختلفة عن بقية الصحف العربية التي كانت تقدم الخبر كما تريده الدولة، لكن «الحياة» جاءت لتقدم خبراً آخر غير الخبر الرسمي. كما تحدث عن فكرة الارتباط بين العائلة والصحيفة، مشيراً إلى أن الأمير خالد عضو في العائلة الحاكمة في السعودية، لكن «ليس دقيقاً - بل يمكنني القول إنه ليس صحيحاً - أن الأمير خالد (بشرائه الحياة) جزء من مشروع العائلة الحاكمة». وللدلالة على ذلك نقل الدكتور الدخيل عن الأمير خالد قوله في كتابه «مقاتل من الصحراء» إنه كان يشعر منذ زمن طويل بأن الصحافة العربية متخلّفة عن الصحافة في الغرب وإنه كان يتمنى أن يتمكن من أن يلعب دوراً في تحسين أداء الصحافة العربية فجاءته الفرصة عام 1988 عندما وافق على تمويل إعادة إطلاق «الحياة». وقال إن الهدف كان إطلاق صحيفة في مصاف مثيلاتها في الغرب وتتميز بخط تحريري مستقل ومهني وبتغطية واسعة. وقال إن «الحياة» تتمتع بقدر واسع من حرية التعبير ونشر الآراء حتى تلك التي لا تتوافق مع الخط السعودي الحكومي. واختتم بأن «الحياة» تقدّم مثالاً على «الصحافة المستنيرة بأسلوب رصين». - اليوبيل الفضي ل«الحياة» - «الحياة» تحتفل بيوبيلها الفضي والأمير فهد بن خالد نائباً للناشر - احتفالات «الحياة» باليوبيل الفضي - لمشاهدة صور احتفال «الحياة» باليوبيل الفضي