نشأت الدراما التلفزيونية العربية كشقيقتها الكبرى السينما من خارج المعارف والخبرات الأكاديمية: المخرجون والفنيون الأوائل حفروا بأظفارهم في صخر الفراغ واللاتجربة وتعلموا من تجاربهم ومن مشاهداتهم لدراما الآخرين أكثر من تعلمهم من الدورات القصيرة والبسيطة التي أخذوها على عجل في بلدان أوروبية. بين مفردات الدراما التلفزيونية الكثيرة كانت كتابة السيناريو تعيش أيضاً حالة غير مسبوقة، إذ هي لا يمكنها أن «تقلد» السينما لأسباب ليس هنا مجالها، وهي في الوقت ذاته لا تمتلك تقاليدها التي تمكنها من خلق أساليب خاصة بالكتابة لدراما تعرضها الشاشة الصغيرة. منذ منتصف الستينات – وحتى اليوم – لا نزال نلحظ أن سيناريو المسلسل التلفزيوني هو أقرب لما يمكن أن نطلق عليه من دون حرج اسم السيناريو الأدبي الذي يقوم أساساً على «السرد» وتغيب منه أساليب التقطيع الدقيق للمشاهد واللقطات، والتي أصبح من تقاليد العمل في الدراما العربية أن يتولى المخرج تحقيقها كتابة في مرات قليلة، وعبر الحلول الإخراجية التنفيذية أغلب المرَات. يشكو المخرجون دوماً من اضطرارهم لإعادة صياغة نص الكاتب ليصبح قابلاً للتحقيق، وهي مسألة لا تلبث أن تشعل خلافات لا تنتهي بين الكتاب والمخرجين الذين يعتبرون الإخراج نوعاً من كتابة جديدة، بل ويصرون أنها عملية لا بد منها. مع ذلك لا نرى اليوم أن نصف قرن من ولادة الدراما التلفزيونية العربية كان كافياً لخلق تقاليد تمنح كتاب الدراما حرفية تستند الى أساليب عمل راسخة وذات فاعلية تزاوج بين الفكرة وبين جمالياتها الفنية، خصوصاً أن «غول» الإنتاج الدرامي بعد انطلاق البث الفضائي العربي تجعل الحاجة للنصوص أكبر بكثير من فكرة التنقيب عن النص المستوفي لشروط الكتابة الدرامية غير الموجودة أصلاً. مع ذلك تنجح الدراما العربية في تحقيق أعمالها بأساليب عمل باتت أقرب للشفهية خصوصاً حين تتوافر لها علاقة تفاهم بين الكاتب والمخرج، وهي حالة تبدو مفهومة في غياب التعليم الأكاديمي سابقاً، لكنها غير مفهومة في وجود المعاهد الفنية، بل في وجود من درسوا في البلدان الأوروبية واكتسبوا معارفهم من هناك. هو السيناريو التلفزيوني الذي لا يزال كائناً هجيناً يشبه الآخرين، ولا يشبههم.