بات واضحاً للنقاد والمشاهدين نهوض الدراما المصرية من كبوتها التي عاشتها لسنوات طويلة قاربت العقد. والواضح أن ذلك حدث بفضل عوامل عدة لعلّ أبرزها بالذات اعتماد إنتاجها الجديد على أدوات وعناصر سينمائية ساهمت في ردّ الاعتبار الى فن الدراما التلفزيونية، ووسائل تحقيقه بكيفيات راقية تتجاوز الذهنية التقليدية التي طالما رأت فيه سينما من الدرجة الثانية أو الثالثة حتى. نقول هذا ولا نغفل الموضوعات التي تناولتها الأعمال الدرامية المصرية في العامين الأخيرين. هنا بالذات تقول الموضوعات الجديدة بانحسار موجة «تفصيل» المسلسلات التلفزيونية على قامة هذا النجم أو ذاك، وهي «تقاليد» سبق وأخضعت العملية الدرامية برمتها لملامح النجم وعوامل نجوميته أكثر ممّا سعت واجتهدت لتحقيق معادلة فكرية وفنية متوازنة، ويمكنها جذب المشاهدة الجماهيرية. قبل عقدين من السنين تقريباً، أطلق المخرج هيثم حقي مقولته عن الدراما التلفزيونية باعتبارها فناً بصرياً لا يجوز النظر إليه بعين التعالي، لأن من يفعل ذلك لن ينتج سوى أعمال بالغة التواضع، وذلك إذ يتجاوز النظرة والرؤية الفنية ينسحب أيضاً على حيوية المعالجات الإخراجية، ومنها التصوير في الأماكن الحقيقية، وبالكاميرا الواحدة. باختصار، وضعت «الدراما المصرية الجديدة» قدمها في أرض مختلفة، فأنتجت أعمالاً مختلفة، نثق بأنها ستستمر صعوداً، خصوصاً ونحن نتحدث عن دراما تحمل على أكتافها تاريخاً سينمائياً عريضاً وعريقاً، مثلما تتحرك في ساحة ثقافية غنية بالإبداعات القصصية والروائية، التي يمكنها أن ترفدها بالنصوص الناضجة شكلاً ومضموناً. هي معادلة إذ تتحققُ بجمالية اليوم، تبشّرنا بمنافسات إيجابية لدراما عربية متعددة مراكز الإنتاج تشمل سورية وبلدان الخليج والأردن، ما يسمح بتطور الجميع لمصلحة المشاهد والفن. لا مكان في مناخ المنافسة سوى للدراما المتكاملة في تألق عناصرها، فنحن نتحدث عن صناعة فنية لا يتوقف نجاحها على النص أو الإخراج وحسب، بل يمتدُ الى كل المساهمات، التي إن اختلّ واحد منها أربك العمل برمته، وأربك معه المشاهدة. على الدراما المصرية أن تستفيد أيضاً من تجاربها السابقة، وأن تلتصق أكثر فأكثر بالموضوعات التي تعني المشاهدين، وأن تستثمر أجمل ما في الساحة الفنية الزاخرة بالمواهب.