نعرف منذ زمن بعيد أن علاقة الدراما التلفزيونية العربية بالرّواية علاقة واهية عموماً، بل نكاد نقول إنها نادرة. فهي قليلة الأعمال التي حقّقها مخرجون عرب عن روايات عربية مكتوبة ومنشورة، وتلك مسألة تسترعي الانتباه حقاً وتدعونا للتساؤل: هل تفرض الرّواية على صنّاع الدراما التلفزيونية العربية أساليب إنتاجية غير تلك السائدة هذه الأيام؟ من الواضح أن الرّواية كجنس أدبي، تقوم في أحد جوانبها على تقديم صور الحياة السياسية والاجتماعية بلغة أرقى من تلك اللّغة الدرامية السّائدة حالياً، والتي تغلب عليها تقاليد السوق، وسمات العمل التجاري بدورة رأس ماله السريعة. ففي الوقت الذي تنبني فيه الدراما على «سيناريوات» عاجلة وتحمل كثيراً من «توابل» المرحلة، تفضّل الرّواية أن تكون شهادة ناضجة على الأحداث، وحتى على المشاعر والأهواء الشخصية. مع ذلك، يرى آخرون أن الحل ليس في تفضيل الرّواية على الدراما أو العكس، بل في تحقيق أعمال تزاوج بينهما، أي تؤسس لما يمكن تسميته «الرّواية التلفزيونية». الرّواية التلفزيونية كمصطلح هي تلك الدراما التي تأخذ من الرّواية الأدبية كلّ مواصفاتها، شرط أن يتم تكييف تلك المواصفات مع لغة الصورة المرئية، وما ترتّبه من استحقاقات فنية، لا تطاول جدّيتها، ولا رصانة تناولها للأحداث والشخصيات وغيرها من أركان الرواية وشروطها. هي رواية أخرى تقوم على علاقة أكثر حيوية بالواقع، وهي بمواصفاتها «الأدبية» تتمكّن من عرض الصراعات الدرامية بحيوية يمكن أن تحمي الدراما التلفزيونية من النسيان الذي تحمله في ثناياها والذي يدفع النقاد دوماً إلى تشبيهها بالصحافة اليومية في إشارة لا تخفى إلى استهلاكيتها وطابعها العابر. وكل هذا يحتاج بالتأكيد إلى تقاليد انتاجية مغايرة لما هو سائد اليوم، ويحتاج بالذات إلى الخروج من قبضة «نمط الإنتاج الرمضاني» بكل ما رسّخه من عجالات لا تسمح بالاختيارات الصائبة، ولا تعطي الأعمال المنتجة حقها زمنياً خلال التصوير، ناهيك عن شح الخدمات الإنتاجية. نشير إلى ذلك كله ونحن نشاهد أعمالاً درامية كثيرة تنبني على مجرد «حكايات» يرويها الممثّلون لتزجية أوقات المشاهدين وتقع غالباً في التكرار والتشابه، ثم تغيب من الذاكرة وكأنها لم تكن.