حتى حادثة أبوغريب نفسها هي مثال آخر لتكريس قناة الحرَّة غربتها وسط الفضاء الإعلامي العربي، إذ تأخرت القناة في تغطيتها، ولم تتناولها حتى بعد مضي أيام على الحادثة، وبعد أن أشبعت كل وسائل الإعلام العربية هذه الحادثة تناولاً وتغطية. عندما قتلت إسرائيل قائد حماس الشيخ أحمد ياسين وهو في طريق خروجه بعد أداء صلاة الفجر اكتظت شاشات التلفزة العربية بنقل صور الحادثة، يرافقها نقل ميداني وتعليقات مراقبين وروايات شهود العيان، لكن المشاهد العربي مرة أخرى وجد أن قناة الحرة كانت قد تغيّبت عن نقل هذه الصورة، متجاهلة هذا الخبر كما لو لم يحدث ومكتفية بالإبقاء على برنامجها المجدول سلفاً عن الطبخ. بحسب واشنطن بوست خرج موفق حرب مدير القناة معترفاً بالخطأ وليعتذر عن ذلك الغياب، معللاً بأن هذا الحدث وقع والقناة ما تزال في أيامها الأولى. صور المشهد التراجيدي لمقتل مراسل قناة العربية مازن الطميزي بعد أن أصابته قذيفة مرتين من مروحية أميركية في أحد شوارع بغداد هو مثال آخر لمادة أخرى تناقلتها معظم وسائل الإعلام العربية، بما فيها المنافس الشرس لقناة العربية قناة الجزيرة التي أخذت تكرره في نشرات أخبارها وفي فواصل برامجها، لكن المشاهد العربي وجد أن قناة الحرة كانت تغيّبت مرة أخرى عن نقل هذه الصورة، جالبةً معها التصورات التقليدية حول هدف الولاياتالمتحدة من إنشاء هذه الوسيلة الإعلامية. حكاية صدقية قناة الحرة وراديو سوا لن تقف عند الأداء الصحافي وحسب، بل ربما قد تتجاوز ذلك حين يعرف أي عربي أن هاتين المؤسستين ممنوعتان باسم القانون الأميركي المشهور باسم Smith–Mundt Act من البث داخل الولاياتالمتحدة الأميركية، لأنهما ممولتان من الحكومة الأميركية للتأثير في الرأي العام الأجنبي، ولا يسمح لمشاريع بمثل هذا التمويل الحكومي أن تبث في الداخل الأميركي صيانةً للرأي العام الداخلي. حتى بعض المسؤولين الأميركيين لا يصدق أن قناة الحرة يجب أن تكون مؤسسة صحافية تقدم عملاً صحافياً مستقلاً. يقول عضو الكونغرس عن ولاية نيويورك جوز سيرانو في إحدى جلسات الاستماع: «كفُّوا عن محاولة إقناعنا أن الحرة لا تقوم بالدعاية لأميركا، وإذا لم تكن تقوم بذلك فعلينا مراجعة ما نقوم به»، في إشارة إلى إمكان قطع التمويل عنها.