كنا فريقاً مختلطاً، ولاحظنا أن انتباه الإعلام يشده أولاً انخراط الرجال في الحركة النسوية، فرفضنا منذ خطواتنا الأولى نعْتَنا ب «النسويات الجديدات». رفْضُنا كان علامة على اختيار سياسي واستراتيجي، فنحن أردنا الجهر بانتمائنا إلى تاريخ، وأعلنّا إنشاء فريقنا «تجرأن على (مزاولة) النسوية» غداة مهاجمة «تنظيم الأسرة». وفي الأمر مفارقة: فخطنا السياسي المعلن لم يكن تعبيراً دقيقاً عن إحساسنا الحميم، وكنا نختبر حماسة البدايات، وداعينا إلى العمل هو شعورنا بأن علينا ابتكار كل شيء وليس رعاية إرث سابق. لكن روابطنا بناشطات عقد السبعينات كانت وثيقة، ودعوانا أننا «نسويات جديدات» كانت كفيلة بصرم هذه الروابط وقطعها. ولم نشكّ في أن إرساء ميزان قوة يؤدي إلى تغيير معيار العلاقة الاجتماعية، يقتضي توحيد الناشطات النسويات على برنامج وخط مشتركين. وكانت التظاهرة الأولى التي شاركنا فيها في 2009، دعا إليها «الفريق الوطني لحقوق النساء»، وهو يضم روابط نسوية، وإليها نقاباتٍ وأحزاباً سياسية، يسارية على العموم. وإدراكي اتصالَ التزامات النضال النسوي وتماسكَ حلقاتها، أدين به إلى المؤرخة فرانسواز بيك (صاحبة «تحرر النساء، أربعون عاماً من الحركة»، 2011)، فهي زارتنا وتركت لنا نسخة من وقائع اجتماعات الرابطة الوطنية للدراسات النسوية، وفيها محضر لقاء في 1995 مع من سمين أنفسهن «ماري غير كلير» (من اسم مجلة نسائية مشهورة «ماري كلير»، ونفي «كلير» يطعن في وضوح أو صراحة المجلة وترويجها لصورة المرأة المستهلكة). ولما قرأت وقائع المناقشة أصبت بانهيار، وكان في مقدوري تبني كلماتهن كلمةً كلمة والادعاءُ أنها كلماتنا، فمندوبات «ماري غير كلير» يشرحن أن تظاهرة نظمت في 1995 طالبت بالحق في قطع الحمل أيقظت الضمائر، ونبهتها إلى خطورة المسألة، على شاكلة صنيعنا مع «تنظيم الأسرة»، وحملت نساء كثيرة على الانخراط في نشاطات نسوية. وأقلقني تكرار تجربة واحدة في أقل من 15 سنة وأسعدني في وقت واحد. فهو قام قرينة على انتسابنا إلى تاريخ واحد هو تاريخ حركات تحرر النساء. وربما لا نقع على أشياء واحدة بحذافيرها لحسن الحظ، ولكن اتصال الأجيال والمشاغل والأفكار يثبت الناشطات على موقفهن. ومسائل الأخلاق في البيولوجيا والبغاء تشغلنا فعلاً، لكنها ليست مركزية، وهي موضوعات سجال في الإعلام، وتستدرج بعض المثقفين إلى المناقشة فوق ما تستدرج الجماعات النسوية. والقضايا الاجتماعية ليست هامشية في نظرنا، ولا ننحيها جانباً، ولكنها لا تثير المناقشة ولا الخلاف. وعودة مسألة حقوق النساء إلى قلب الدائرة العامة في الأعوام الأخيرة، تواقتت مع حركة مناهضة إصلاح المعاشات التقاعدية في فرنسا، فهذه الحركة أطاحت وهم المساواة بين النساء والرجال، وانتبه جمهور التلفزيون إلى أن الفرق بين الجنسين يبلغ 40 في المئة. وآذن ذلك بوعي جماعي عميق بالمسألة. * مؤسسة «تجرأن على (مزاولة) النسوية» وناشطة في الشبكة النسوية الدولية، عن «إسبري» الفرنسية، إعداد منال نحاس