في عدد «الحياة» الرقم 18361 الصادر في 20 تشرين الأول (أكتوبر) 2013، وفي صفحة تيارات كتب الأستاذ عبدالعزيز الصاوي مقالاً بعنوان «السودان لم يشهد ربيعاً... رغم انتفاضتين» لم يرضِ الكثيرين، وأنا منهم. تحدث فيه بإحباط المثقفين السودانيين المعروف، واصفاً ما حدث في تشرين الأول 1964 عندما فجر الشعب السوداني ثورته الشعبية السلمية الأولى ضد الحكم العسكري، وثورة الشعب السوداني السلمية الثانية ضد الحكم العسكري للمشير جعفر نميري في نيسان (أبريل) 1985، بأنه عبارة عن انتفاضتين لم ترتقيا إلى مصاف المصطلح المحبب لديه (ثورة ربيع عربي). والمقال فيه تحليل جيد للمشهد السياسي السوداني والعوامل التي أثرت في مآل الحدثين لكن تأسيسه كان ضعيفاً ومخيباً للآمال، وكذا نهاية المقال التي زعم فيها أن المجتمع السوداني غير جاهز لإحداث ثورة ربيع عربي حقيقية، وفق تعريفه. وكي يكون نقدنا علمياً أود أولاً أن أختلف مع الصاوي في استخدامه المغلوط مصطلح انتفاضة والذي يعني (وفق تعريف ويكيبيديا) حركة شعبية واسعة مقاومة للاحتلال أو الظلم، وأوضح أمثلتها الانتفاضة الفلسطينية الباسلة التي لم تنتهِ بتغيير الواقع أو تغيير الحكم الإسرائيلي فكيف يستقيم وصف ثورة أكتوبر 1964 والتي قامت ضد الحكم المعروف بانقلاب الفريق عبود والتي انتهت بعودة الحكم المدني عبر انتخابات حرة ارتضتها كل القوى السياسية آنذاك، بأنها انتفاضة. وهل يعقل وصف ما قام به الشعب السوداني المناضل في ثورته عام 1985 ضد حكم المشير نميري الديكتاتوري الظالم بأنه انتفاضة على رغم نجاح الشعب ممثلاً في تجمعه النقابي والسياسي في تغيير النظام بمساعدة القوى الوطنية في الجيش السوداني؟ الثورة كمصطلح سياسي (وفق تعريف ويكيبيديا) هي الخروج عن الوضع الراهن وتغييره - سواء إلى وضع أفضل أو أسوأ - باندفاع يحركه عدم الرضا، والتطلع إلى الأفضل أو حتى الغضب. وطالما أن الشعب السوداني أحدث، ببطولته وتقديمه دماء الشهداء فداء وعربوناً لحريته، تغييراً حقيقياً من الحكم العسكري الديكتاتوري التعسفي إلى حكم مدني ديموقراطي سواء استمر الحكم المدني واستدام أم انتكس، فالوصف الذي يستحقه ولا يشحذه ولا يستجدي من أجله هو أنه أول شعب عربي قام بثورة شعبية ضد النظام الديكتاتوري العسكري العربي. التحية للشعب السوداني ملهم ومعلم الشعوب والمجد لشهدائه الأبرار.