أكد الدكتور عبدالله بن عبدالمحسن بن منصور الطريقي أن المرأة عليها نفقة واجبة لحق الغير، ولفت إلى أن المرء مثل ما له حق على الآخرين، فعليه مثله، وأشار إلى أن أصل الإنفاق لازم على الرجل تجاه الآخرين ممن يلزمه الإنفاق عليهم من رجال ونساء وغيرهم، إلا أن هذا الأصل لا يكون قاعدة ثابتة، فقد تلزم المرأة بالإنفاق على الآخرين لأسباب عدة، ومنها «النفقة الواجبة على المرأة لحق الغير» وفق ضوابط معينة اقتضتها لوازم الإنفاق. وقال في ورقة بحثية له إنه لم يطلع على بحث لأحد أفرده في شكل مستقل حول هذه القضية، فآثر جمعها وترتيبها وإبرازها خدمة للعلم وطالبيه، ونشرها في مجلة اللجنة الدائمة للإفتاء، وقسّم النفقة الواجبة على المرأة لحق الغير إلى أربعة مواضيع: نفقة الأقارب، ونفقة خادم المرأة، ونفقة الرقيق، ونفقة البهائم والجمادات. وأوضح الأسباب الموجبة لبعض تلك النفقات، كنفقة الأقارب، وسببها هو القرابة محرمة القطع، لأنه إذا حرم قطعها حرم كل سبب مفض إليه، وترك الإنفاق من ذي الرحم المحرم مع قدرته وحاجته تفضي إلى قطع الرحم، فيحرم الترك، وإذا حرم الترك وجب الفعل ضرورة. أما نفقة الرقيق فسبب وجوبها الملك الموجب للاختصاص بالمملوك انتفاعاً وتصرفاً ليكون به صلاحه ودوامه، ومن ملك منفعة شيء لزمته مؤنته، إذ الخراج بالضمان. ولأن الرقيق لا مال له وما في يده لمولاه، فلا يجوز للرقيق أن ينفق على نفسه من مال غيره، ما يجعل الإنفاق واجباً على سيده. أما نفقة البهائم والجمادات، فأوضح الطريقي أن سبب وجوب هذه النفقة هو أن تركها يعد تجويعاً للحيوان، والتجويع تعذيب له، وهو محرّم لما له من حرمة في نفسه، ولعدم جواز الإضرار به، ولأن البهائم والجمادات المملوكة مال، والمال يلزم استصلاحه واستبقاؤه، ومن أراد ضياعه وجب الحجر عليه. وتناول نفقة الفروع من الأولاد، وعلّل سبب وجوب هذه النفقة بالولادة، لأنه تثبت بها الجزئية والبعضية، والإنفاق على المحتاج إحياء له، ويجب على الإنسان إحياء كله وجزئه، ولأنها قرابة يحرم قطعها، وإذا حرم القطع حرم كل سبب مفض إليه. وترك الإنفاق من ذي الرحم المحرم مع قدرته وحاجة المنفق عليه تفضي إلى قطع الرحم، فيحرم الترك، وإذا حرم الترك وجب الفعل مما يدل على وجوب الإنفاق على الأولاد. ونبّه إلى أن حال الأولاد تكون على نوعين: أولاد صغار و أولاد كبار، ولكل منهم حكمه المستنبط من الأدلة الشرعية كما سيأتي. وحول نفقة الأب على ابنه من اليسار والإعسار، قال الطريقي: «أوجب الحنفية إنفاق الأب على ابنه يساراً وإعساراً، ويرجع على الأب إذا أيسر، وهو قول عند الشافعية خلافاً للمالكية الذين يرون سقوطها مع الإعسار واليسار شرط النفقة عند الشافعية في قولهم الآخر، لأنها مواساة. فاعتبر يسار المنفق معها، وهو شرط عند الحنابلة في وجوب النفقة، أما إذا عجز الأب عن الإنفاق فيرى الحنفية في قول لهم إنه يتكفف وينفق على ابنه، وفي قول آخر لهم ينفق عليه من بيت المال». واستطرد بأن هناك قولاً ثالثاً، وهو إن عجز الأب فالأولى ألا يتكفف مع وجود قريب ينفق عليهما كالزوجة الموسرة، والتي تعد أولى من غيرها بالإنفاق على زوجها وابنه من سائر الأقارب بما فيهم الجد لأب، وترجع على الأب إذا أيسر، مفيداً أن الحنابلة يرون أن الأم إذا أنفقت على ابنها وهو في حضانتها وهي تنوي الرجوع على الأب، فلها أن ترجع عليه بالنفقة، وهذا ظاهر مذهب أحمد الذي عليه قدماء أصحابه، فإن من أصلهما إن أدى عن غيره واجباً رجع عليه، وإن فعله بغير إذنه مثل أن يقضي دينه، أو ينفق على عبده، مستشهداً بقوله تعالى: (فَإِنْ أَرْضَعْنَ لَكُمْ فَآتُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ)، فأمر بإيتاء الأجر بمجرد الإرضاع، ولم يشترط عقداً ولا إذناً من الأب بذلك». وأشار إلى أن الأم إذا تبرعت بالنفقة من دون نية الرجوع فليس لها أن ترجع على الأب بالنفقة، وفي قول آخر أن الأب إذا أعسر بالنفقة وجبت على الأم من دون أن ترجع بها عليه إن أيسر، لأن من وجب عليه الإنفاق بالقرابة لم يرجع على أحد، والقول في الرجوع بالنفقة على الأب إذا أيسر عند الحنفية باعتبار أن النفقة واجبة على الأب وحده في ظاهر الرواية عندهم، وأنه لا يشاركه أحد في النفقة على الطفل لا أمه ولا غيرها لقوله تعالى: (وَعَلَى الْمَوْلُودِ لَهُ رِزْقُهُنَّ وَكِسْوَتُهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ) فهذه الآية صريحة في إيجاب نفقة النساء لأجل الأولاد، ما يدل على أن النفقة واجبة على الأب من باب أولى إذ النسب إليه. وحول نفقة المرأة على أولادها قال الطريقي: «المرأة إذا كانت أمة مكاتبة ولها أولاد دخلوا معها الكتابة، فيرى الحنفية أن نفقتهم واجبة عليها لتبعيتهم لها في الكتابة، ولأن كسبه وإرش الجناية عليه وإرثه لها، وإلى هذا ذهب المالكية والحنابلة. وأوضح أن الحنفية ترى أن إجبار المرأة الحرة إذا كانت موسرة بالإنفاق على أولادها إذا كان أبوهم عبداً، باعتبار أن الطفل كائن حي اعتني فيه وروعيت حاجاته ومتطلباته من خلال الإلزام بنفقته سواء على أسرته أم من بيت مال المسلمين. وأضاف: «الأسرة قد تكون أماً وأباً وقد يكون غيرهما، لذا نرى الحنفية يقررون وجوب نفقة الطفل على أصوله الوارثين له كالأم والجد لأب أو الأم والعم أو الأم والأخ، فعلى ظاهر الرواية عندهم تلزمهما النفقة على قدر ميراثهما أثلاثاً لقوله تعالى: (وَعَلَى الْوَارِثِ مِثْلُ ذَلِكَ)، إذ اعتبر صفة الوراثة في حق غير الأب، فدل على أن النفقة تجب على الورثة بحسب الميراث». ونبّه إلى أن بعض الفقهاء لاحظ حال اليسر والعسر، فبعضهم لم يوجب على العم مع الأم نفقة أثناء فترة الرضاع باعتبار أن الأم موسرة باللبن، والعم معسر به في هذه الفترة، لكن ظاهر الرواية أن قدرة العم على تحصيل اللبن بما له يجعله موسراً به، ولهذا كان عليهما أثلاثاً. وقال: «أما إذا كان العم فقيراً والأم غنية، فالرضاع والنفقة على الأم، لأن النفقة مستحقة على العم في ماله لا في كسبه، والمعسر ليس له مال فلا يلزمه شيء من النفقة، وتكون بهذا لازمة على الأم».