كاد الموت أن يفقد هيبته.. فبعد أن كان يمضي علينا في شبابنا، اليوم واليومان والثلاثة، من دون أن نسمع قصة وفاة أو نطالع مشهد موت، أصبحت قصص الموت الآن جزءاً من البرنامج اليومي لكل واحد منا .. منذ أن يستيقظ جسده وينام ضميره صباحاً حتى يصحو ضميره بعدما ينام جسده ليلاً. يموت الناس بالعشرات والمئات في الحروب وحوادث السيارات و(فضّ) المظاهرات، بنيران صديقة أو نيران صدوقة! نردد دوماً أن الحياة أصبحت سريعة، وننسى إكمال قولنا إن الموت أصبح سريعاً أيضاً. لم يعد الموت يهزّنا كما كان يفعل بنا من قبل، فبضغطة من (الريموت كنترول) ننتقل فوراً من أشلاء الموت إلى «أشلاء» الفرح والوناسة. صرنا نخاف من ذهاب الحياة أكثر من خوفنا من مجيء الموت! وكلما أوشكنا أن نصدّق بأن الموت قد فقد هيبته، جاء هذا الفتّاك ليصفعنا بحكاية موت مختلفة ومغايرة يستعيد بها هيبته. الموت المهيب، ليس هو موت المشاهير أو الجبابرة أو موت الآباء أو الأبناء دوماً، بل هو الموت الذي يأتي إلى جوارك فجأة وأنت لم تكن في انتظاره في هذا الموقع أبداً. يأتي ليلتقط منك قريبك أو صديقك الذي كنت تظن واهماً أنه سيكون الاسم قبل الأخير في قائمة الموتى (طبعاً باعتبار أنك أنت الاسم الأخير في القائمة!). هيبة الموت تختلف عن هيبة الإنسان، فالأخير يصنع هيبته بالتحضير المسبق لمجيئه ووضع الترتيبات البروتوكولية اللازمة لخفق قلوب المستقبلين. أما الموت فيستمد هيبته من مجيئه الذي لا يعلم به أحد .. إلا الله. يدخل الموت في (حفلتنا) فجأة ويخطف فريسته ويذهب، ونظل نبكي من دون أن نحاول البتّة اللحاق به واستعادة المخطوف .. كما نفعل مع الخاطفين، لأننا نعرف بأن لا أحد أبداً من قبل استطاع أن يهزم هذا الخاطف ويسترجع الرهينة! يستعيد الموت هيبته، التي عبثت بها وسائل الإعلام، عندما يزاول مثل هذا النوع من الإماتة. خالجتني هذه المشاعر بهيبة الموت عندما دخل علينا، الأسبوع الماضي، حفلتنا الدنيوية الدائمة وخطف صديقي (الحيوي) د. سلطان باهبري (رحمه الله)، وهو الذي كنت أظنه، من فرط حيويته وانتعاشه الدائم، سيبقى حيّاً حتى تنتهي الحفلة ويموت الجميع! هنا .. يستعيد الموت هيبته. * كاتب سعودي Twitter | @ziadaldrees