رغم الموت الذي يُغرق نشرات الأخبار في الوطن العربي، حمل ليل فلسطين الطويل، خبر إطلاق الرصاص على المطرب الشعبي شفيق كبها في مدينة أم الفحم، وسقوط صوته الأصيل ضحية الطيش والكراهية والعبثية. من دون ذنب اغتالت يد الغدر هذا الفنان الذي أحيا كلمات جفرا الفلسطينية وغنى للبلاد ولكفاح أهلها، أجمل الأغنيات منذ سنوات. وفي تفاصيل الحادثة، أن الانتخابات البلدية انتهت بفوز أحد المرشحين في مدينة أم الفحم في منطقة المثلث داخل الخط الأخضر على مشارف الضفة الغربية. وحضر الفنان شفيق كبها ليقدم أغنيات الفرح بالنصر لهذا المرشح الذي تربطه به صداقة. لكن يد الغدر، قلبت هذا الفرح إلى حزن عميق، عندما اغتالته برصاص موجه إليه عن سابق إصرار وتصميم. وأفاد شهود عيان بأن ملثّمين يمتطون دراجة هوائية، أطلقوا النار على الفنان ولاذوا بالفرار. ودانت هيئات المجتمع المدني واللجان الشعبية لمتابعة قضايا العرب في الأراضي المحتلة، هذا السلوك الجبان الذي يرفض قبول نتائج الانتخابات بروح ودّية ويعرقل الديموقراطية والقانون بمقدار ما يجهل القيمة الفنية والإنسانية لأحد كبار الفنانين في فلسطين. ولد شفيق كبها عام 1960 في قرية كفر قرع في المثلث الشمالي، لعائلة فقيرة مثل كل العائلات الفلسطينية في فترة الحكم العسكري. غنى منذ طفولته على منصة المدرسة وشارك في مهرجان بيت الكرمة في حيفا، وغنى في المناسبات الوطنية والأعراس. عمل بعد تخرجه من المدرسة التوجيهية في أعمال متفرقة لمساعدة والديه مادياً، دفعه صوته الجميل إلى الفن، فقبل عرضاً في إحدى فرق الهواة ومنها انطلق فأسس فرقة «ليرة» ولاحقاً «ليالي الربيع» مع نخبة من العازفين. مع اندلاع المواجهات في انتفاضة الحجارة الأولى، منع من دخول الضفة الغربية بأمر عسكري، لكنه واصل غناءه للأرض والحب والحياة. وامتاز بتوزيع الأغاني التراثية ومنها أغاني جفرا شبه المنقرضة في قوالب موسيقية حديثة. ضمت إسرائيل منطقة المثلث في وادي عاره بعد هدنة وقف النار في العام 1949، ووعدت الإنكليز والمملكة الهاشمية بمنح أراض مقابلها في جنوب جبل الخليل، لكنها كانت وعوداً واهية، فسرعان ما ضمت إسرائيل كل الضفة الغربية بعد حرب الأيام الستة. في كتاب الدكتور عزيز حيدر الصادر أخيراً عن معهد فون لير للدراسات الاجتماعية في القدس الغربية حول السلطات المحلية العربية في إسرائيل، يؤكد أكثر من باحث أن المجتمع العربي في الداخل الفلسطيني الذي يعيش في غياب سيادة مستقلة له، يجد في المجالس البلدية قوة سياسية واجتماعية ووسيلة لحل كثير من الاشكالات، كما أن رئاسة المجلس أو البلدية تمنح العائلات الكبيرة سيادة معينة ومكانة اجتماعيه، على رغم أن نظام الحكم المركزي في إسرائيل لا يزال يتعامل مع هذه السلطات التي تنتخب في يوم انتخابات السلطات المحلية اليهودية بالتمييز الاقتصادي والاجتماعي وعدم اعتماد خطط تطوير على غرار ما هو متبع في المدن والمستوطنات العبرية.