الكشف عن شبكة أنفاق غزة أربك القيادة الإسرائيلية. فهي تدرك أن حركة «حماس» غير معنية، في هذه المرحلة على الأقل، بتصعيد تجاه إسرائيل، لكنها لا تسقط من حساباتها أن العمليات الأخيرة التي شهدتها منطقة الحدود الجنوبية تندرج ضمن محاولات «حماس» الخروج من الأزمة التي تواجهها في أعقاب الخلافات مع مصر وإيران، عبر عمليات محدودة. وعلى رغم هذه التقديرات الإسرائيلية، إلا أن القيادتين العسكرية والسياسية لم تتوقفا عن التهديد بعملية مقبلة حتماً، ظهرت بوادرها مع سقوط طائرة من دون طيار في غزة، كانت تقوم بعمليات استطلاع في القطاع. وهي عمليات لم توقفها إسرائيل، في مناطقها الحدودية إلا أنها تنفذها في شكل مكثف في كثير من الأحيان قبيل تنفيذ العمليات الحربية أو عمليات الاغتيال. وخلال تقويمهم للموضوع قارن الإسرائيليون بين الوضعية الحالية في قطاع غزة وبين منطقة الشمال عندما كانت إسرائيل مسيطرة على منطقة الحزام الأمني في الجنوب اللبناني قبيل انسحابها في عام 2000. وكان الجيش الإسرائيلي يتحدث خلال سيطرته على المنطقة عن حرب أدمغة بين «حزب الله» اللبناني وبين خبرائه العسكريين، واستذكروا أن الحزب كان يبتكر طرقاً جديدةً لمهاجمة مواقع وقوافل الجيش في منطقة الحزام الأمني جنوبي لبنان باستمرار. وعندما كان يجد الجيش حلولاً عملية دفاعية وهجومية، كان الحزب يرد بتغيير وسائله وخططه، وكان هذا الوضع ك «لعبة شطرنج طويلة ومرهقة»، أو «لعبة مطاردة لا تفضي إلى نتائج قطعية». واليوم يردد الجيش الإسرائيلي هذه التسميات تجاه الأنفاق التي نجحت التنظيمات الفلسطينية في إقامتها، وهي بمعظمها تحتوي على معدات وآليات متطورة وتصل حتى مشارف المستوطنات الإسرائيلية في الجنوب. يختلف الوضع في غزة بسبب ظروف استراتيجية إقليمية، بدأت تترك أثراً شديداً على «حماس»، بدأت بالعدوان الإسرائيلي الأخير على قطاع غزة في شهر تشرين الثاني (نوفمبر) من عام 2011، واتخذت بعداً جديداً مع إسقاط نظام «الإخوان» المسلمين في مصر، وبلغت أوجها في تدمير غالبية الأنفاق الواصلة ما بين غزة وسيناء واعتبرت شريان الحياة الاقتصادي والعسكري لحركة حماس (حيث عادت عليها بفائدة تصل إلى 230 مليون دولار في الشهر)، وكذلك على أهل قطاع غزة. فالعدوان المذكور، ضرب – وفق الإسرائيليين - جانباً من البنى التحتية للحركة ومنعها من الاستمرار في المقاومة ومحاربة إسرائيل بالقدرات التي كانت تتمتع بها. فيما أحدث الخلاف مع مصر أزمة خانقة في كل مجالات الحياة للحركة باتت تهدد استقرارها. كما أن الخلافات بين «حماس» وإيران، في أعقاب الموقف من أحداث سورية، انعكست هي أيضاً على قوة الحركة وقدرتها وأدخلتها في أزمة، باتت اليوم، أكثر من أي وقت مضى، في حاجة ملحة للخروج منها. وأمام وضع كهذا جاء مشروع الأفاق. في إسرائيل يتعاملون مع «حماس» بلغة التهديد والتخويف العلني. وهم في تقاريرهم الداخلية يتحدثون عن «حماس» كحركة ضعيفة، بخاصة مع تدهور علاقاتها مع مصر وإيران. وفي رأي الإسرائيليين، فإن الذريعة التي تذرّعت بها إيران أمام مسؤول الحركة، خالد مشعل لتأجيل زيارته بادعاء انشغال الإيرانيين بالملف السوري، تعكس الأزمة التي تعيشها الحركة، وفي رأي الإسرائيليين، فإن غضب إيران من انتقاد «حماس» نظامَ الأسد ليس جديداً، والقطيعة بين الاثنين شبه مطلقة، وأضيف اعتبار آخر هو أن إيران برئاسة روحاني تفضل الدخول من الباب الرئيسي للشرق الأوسط لا من طريق منظمات تعتبر عدواً ل «التيار المركزي». وهذه بالضبط مشكلة حماس، التي تضعفها الخلافات الداخلية مع ظهور حركة «تمرد غزة». وفي تحليل الإسرائيليين وضعَ حماس، فإن أزمتها السياسية غير منفصلة عن الأزمة الاقتصاية، إذ إن خسارة حكومة حماس حوالى 230 مليون دولار كل شهر بسبب هدم الأنفاق وجمود التجارة مع مصر يترك أثره بوضوح على حال هذه الحكومة. وإن اقتصاد غزة الذي يعتمد نصفه على الأنفاق غير قادر على إنشاء أماكن عمل جديدة وليس عنده ما يكفي من الموارد المالية ليدفع الأجور لحوالى 40 ألفاً من عامليه. ويقف التصدير على حوالى 9 في المئة فقط من الإنتاج. وأُضيف إلى هذه المعطيات، إعلان وكالة إغاثة اللاجئين أنها ستضطر إلى اقتطاع المساعدة لحوالى 10 آلاف لاجئ. وتكثر في الساحة ادعاءات ارتفاع أسعار المنتوجات الأساسية ونقص مواد البناء والصعوبات الكبيرة التي يواجهها آلاف السكان في الخروج من القطاع بسبب إغلاق معبر رفح. ووفق الخبير في شؤون الشرق الأوسط، تسفي برئيل، فإن إسرائيل تستطيع أن تكون في ظاهر الأمر راضية عن الضغط المستعمل على «حماس» من الخارج ومن داخل القطاع، وعن خطط مصر لتدمير أنفاق غزة وإغلاق المعابر وعن القطيعة مع إيران. لكن، يحذر برئيل، من أن هذا الرضى يصاحبه تهديد ثابت. فحينما تكون «حماس» في أزمة شديدة جداً، وحينما لا تكون غزة في برنامج العمل السياسي الغربي، فإنها قد تحاول أن تجذب الانتباه بنقض وقف إطلاق النار وإطلاق صواريخ لإحداث الرد الإسرائيلي الآلي. وبذلك لا تضر فقط بالمسيرة السياسية، بل تطمح أيضاً إلى تحديد قواعد وقف إطلاق نار جديدة إلى أن تضطر مصر إلى تغيير سياستها. ولا يجب على إسرائيل أن تُجري تفاوضاً مستقلاً مع «حماس» لكن هذه الظروف تُهيئ لمحمود عباس فرصة لتطبيق المصالحة بشروط مريحة له، وأن يضع بذلك الأساس للمسيرة السلمية التي تشتمل على موافقة «حماس» أيضاً. لكن، يُشك كثيراً في أن يستعمل عباس أو إسرائيل هذه الظروف كأداة ضغط سياسية، فكلاهما على يقين من أن «حماس ستتبخر ذات يوم» يقول برئيل. وعلى رغم التناقضات بين التهديدات العلنية والتقديرات والتقويمات الداخلية في الأجهزة الأمنية الأسرائيلية، إلا أن إسرائيل تستعد على مختلف الأصعدة لمواجهة ظاهرة الأنفاق، إذ إن هناك قناعة لدى الاستخبارات وغيرها من أجهزة الأمن، أن «حماس» أقامت شبكة أنفاق في قطاع غزة، تحولت إلى مدينة ضخمة تحت الأرض يخطط القادة العسكريون لاستخدامها في عمليات قتال وتفجير في حال قيام الجيش الإسرائيلي بعملية اجتياح لقطاع غزة. وقد استدعى الجيش ثلاثين خبيراً هندسياً لوضع خطط مواجهة خطر الأنفاق والبحث عن وسائل تكنولوجية مناسبة لمواجهة شق أنفاق إضافية، واستخدامها لخطف جنود إسرائيليين. وتوجه الجيش إلى كبار الخبراء في المعاهد التكنولوجية الأكاديمية طالباً تعاونهم في إيجاد صيغة تشبه منظومة «القبة الحديد» لمواجهة الصواريخ، لاستخدامها في عملياتها في الأنفاق. سيناريوات إسرائيل للحرب المقبلة تتضمن أساليب جديدة، تم تطويرها خلال فترة حكم «الإخوان المسلمين» في مصر، وتم استخدامها أخيراً ضد الجيش المصري ويتوقع أن تستخدمها الحركة ضد إسرائيل. وعلى رغم أن إسرائيل تخشى من أن تبقى الأنفاق معبراً للوسائل القتالية الحديثة والمواد المتفجرة، إلا أنها نقلت دفاعها ومواجهتها لخطر حماس إلى البحر. وأعلن سلاح البحرية عن حال استنفار استعداداً لمواجهة عمليات تهريب من البحر باتجاه غزة بديلة عن الأنفاق التي تم هدمها. وتقوم وحدات من سلاح البحرية بالتدرب المكثف في عرض البحر بعد تقارير ادعت أن جهات مقربة من حماس والتنظيمات المسلحة تحاول تهريب أسلحة ومعدات إلى غزة عبر البحر. وتتوقع إسرائيل أن يكون عسكريو «حماس» قد ابتدعوا وسائل أخرى لاختراق الحدود الإسرائيلية عبر البحر. وتحدث الجيش عن نشاط ملموس لقوارب عسكرية صغيرة تستخدمها حماس وتسعى من خلالها للقيام بعمليات تذكر بالعمليات التي قامت بها «فتح» في فترة السبعينات. وإزاء هذا الوضع كثف سلاح البحرية المراقبة البحرية فيما تبحث القيادة الإسرائيلية في نشر سفن حربية تحمل صواريخ لمواجهة هذه السفن وعمليات التهريب.