أعادت الحوادث والمآسي التي تسببت فيها الأمطار خلال الأيام الماضية إلى أذهان أهالي منطقة الحدود الشمالية ذكريات سيول جدة وسيول تبوك، اللتان لا تزالان تحملان في طياتهما الكثير من الأسى والحزن لعدد من الأسر التي فقدت بعض أقاربها، خصوصاً مع هاجس الخوف من سيول أكبر الأودية، وادي عرعر ووادي بدنة. وقال أحد أبناء عرعر ماجد العنزي: «إن الإدارات الحكومية تحضر عند حفلات الافتتاح لتنسب هذا النجاح لها، ولكن عند حوادث الغرق والموت تتقاذف كل منها المسؤولية. فلا زلنا نتذكر مأساة جدة التي تسببت في وفاة العشرات وإصابة المئات، وأمطار تبوك في صورة تكاد تكون مشابهة لما حدث مسبقاً»، لافتاً إلى أن إدارة النقل لم تذكر أي تبرير لعبّارات الطريق التي لم تنجح في تصريف المياه على رغم الموازنات الهائلة التي صرفت لها، مع أن الطريق حديث الإنشاء. أما عامر العنزي فلم يخفِ قلقه الشديد من حدوث كوارث أخرى، لاسيما أن طريق الشمال الدولي يقع على مجرى عدد كبير من الأودية الضخمة التي تصب وتعبر هذا الطريق، وأشار إلى أن وزارة النقل لم تخطط ولم تعرف الواقع، فالعبّارات صغيرة جداً بالنسبة لوادي بدنة وعرعر اللذين يعتبران من أكبر وأضخم أودية المملكة، وأنه يجب عمل فتحات وعبّارات في شكل كبير وواسع يتناسب وحجم الوادي الذي تمر فيه الطرق، لافتاً إلى أن معظم الوفيات بسبب اختفاء معالم الطريق بفعل المياه. من جهته، أوضح عضو جمعية الجغرافيين السعوديين عيد محمد أن عدداً من الأودية يخترق مدينة عرعر، منها وادي عرعر ووادي بدنة، وأن أموراً لا تحمد عقباها ستحصل إذا سالت هذه الأودية في وقت واحد، لاسيما مع كبر حجمها وخطرها على أحياء الروضة والعزيزية والريان، مفيداً بأن جهات رسمية تسببت في مثل ذلك الخطر عندما عملت على تضييق مجاري الأودية وعدم عمل تسريبات لها أو حتى عمل مصدات وسدود جيدة، مشدداً على أهمية عدم تضييق مصب واديي عرعر وبدنة اللذين يخترقان عرعر من الجنوب إلى الشمال. وتابع: «من الطبيعي جداً أنه إذا احتدمت السيول ستعود إلى مجراها الطبيعي في الأحياء من دون استئذان أحد، وحينئذ ستكون عرعر في خطر حقيقي وتتجدد الكوارث»، مستغرباً من بناء مقار إدارات حكومية وسط الأودية، مثل الكلية التقنية وسط مجرى وادي بدنة ومبنى الأمانة الجديد وسط مجرى وادي عرعر. فيما قال المحامي والمستشار القانوني صالح العنزي ل«الحياة» إنه في حال ثبت قصور في الأداء أو عدم وجود درس وافٍ للتنفيذ فإن النظام يجيز للمتضرر المطالبة بالتعويض وإصلاح الضرر، وهذه قاعدة قانونية في الأعراف عموماً، فإنه إذا ثبت عدم جدية وزارة النقل في درس وضع الوادي وعدم وجود عبّارات على أسس هندسية متقنة وجيدة فإن المتضرر يرفع بتظلمه إلى المحكمة الإدارية التي بدورها تطلب رد وزارة النقل وحضور ممثلها للنظر في الدعوى والرد عليها، لافتاً إلى أنه إذا ثبت القصور فإن المحكمة تجبر الوزارة على دفع الضرر الحاصل على المواطنين وتصرف المبالغ من مخصصات الوزارة. من جانبه، أوضح المدير العام للمياه في منطقة الحدود الشمالية المهندس عافت الشراري أن الأمطار الأخيرة نتج منها امتلاء سد بدنة بارتفاع سبعة أمتار، وكذلك ارتفاع سد اللويزية بثلاثة أمتار. وكانت مدينة عرعر شهدت هطول أمطار غزيرة ليلة السبت استمر من الساعة السابعة مساء وحتى الساعة الثالثة صباحاً، الأمر الذي نتج منه وقوع حوادث ووفاة خمسة أشخاص وفقدان خمسة آخرين.