تهطل الأمطار، وتسيل الأودية والشعاب في مختلف مناطق المملكة خصوصا الجنوبية والغربية منها، ورغم التحذيرات التي تطلقها الجهات المعنية في هذه الظروف للمواطنين لحماية أنفسهم من المخاطر، إلا أنهم يجازفون بحياتهم من خلال محاولات عبورها للوصول إلى مبتغاهم، سواء كان وصولا إلى قرية أو مساكن أو قضاء حوائج ضرورية تخصهم، فيتعرضون للغرق والخسائر المادية، وليس هذا فقط، بل إن هناك من المواطنين من يتعدون أصلا على الأودية، ويضعون أيديهم على مواقع فيها، يعيشون، يبنون مساكنهم، ويزرعون الأراضي، هذا إذا لم يتم تحويلها لمخططات سكنية تبنى فيها البيوت ويسكن فيها الناس، ولا أحد يعلم هل يدركون الخطر المحدق بهم أم أنهم غافلون عنه، وعندما يأتي السيل، يأخذهم معه إلى غير رجعة رغم الجهود التي تبذلها إدارات وأفراد الدفاع المدني في كل تلك المناطق. ولكن، لماذا تتسبب الأودية في مواسم الأمطار كل عام في إزهاق أرواح وإتلاف ممتلكات، هل هو خطأ الناس أنفسهم، أم هو خطأ جهات معنية لم تلتفت لإنشاء عبارات أو جسور، أم أن المسألة ماهي إلا خطأ مشترك بين الجهتين: الجهات المعنية، والمواطنون من سكان وعابري الأودية وقت الخطر. هنا نحقق في المشكلة، نستعرض أبعادها من كافة المناطق، وصولا إلى تحديد الأسباب وإيجاد العلاج والحل في النهاية. في الباحة، تسببت العديد من المباني والجسور التي شيدها عدد من المواطنين في تضييق مجارى السيول في عدد من محافظات المنطقة، ما أسهم في تضييق عبارات تصريف مياه الأمطار في عدد من المواقع، في حين تم بناء مخططات جديدة في أودية ومجاري سيول، ولم يتم اكتشاف هذه المشكلة إلا بعد هطول أمطار غزيرة سالت على إثرها سيول عارمة دهمت المنازل وتسببت في كثير من الأضرار. وفي مدينة الباحة نفسها، يمثل وادي «قوب» أحد أخطر مجاري السيول على المدينة، سيما وأن بعض المواطنين أنشأوا مباني زحفت قليلا للوادي ما تسبب في تضييق مساره، كما أن ضيق العبارات بذات الموقع فاقم من الخطر، إذ اندفعت السيول لتجتاح المحلات التجارية المجاورة، إضافة إلى سوق التمور الذي تعرض قبل سنوات أيضا لمداهمة غير متوقعة، خصوصا وأن كميات الأمطار كانت غزيرة، ولم يستوعب مجرى السيل الضيق تلك الكميات من المياه، ففاضت إلى المدينة وشوراعها. 97 واديا في الباحة وفي منطقة الباحة أكثر من 97 واديا في السراة وتهامة والبادية، منها وادي العقيق ووادي الأحسبة بتهامة، وأودية نخال، ثراد، مراوة، قوب، تربة بزهران، والعديد من تلك الأودية تمثل محطات عبور للأهالي للوصول إلى قراهم مع أنها تشكل خطورة بالغة في أوقات جريان السيول، ولا يمكن عبورها إلا بعد أن ينحسر السيل ويهدأ تماما. لكن عددا من أهالي وادي مراوة في الباحة، أبدوا ملاحظات حول مداهمة السيول للوادي، وقالوا إنه «يفتقر للخدمات البلدية كعبارات وقنوات تصريف»، مؤكدين أنهم تعرضوا للاحتجاز في السيول الأخيرة بسبب ارتفاع منسوب جريان مياه الأمطار في الوادي!. محمد علي الزهراني، وهو واحد من أبناء قرية مراوة، قال إن عدد سكان قريته يصل لثلاثة آلاف نسمة، وأضاف «توجد حوالى 3 آلاف مزرعة ملاصقة للطريق الوحيد الذي يعبرونه لقريتهم، وسبق لنا طرح المشكلة أكثر من مرة للجهات المعنية في المنطقة لفتح طريق آخر مرتفع عن الوادي الحالي الذي يعد مجرى سيل خطر جدا»، وبين الزهراني أن 15 مزرعة أصابتها تلفيات كبيرة نتيجة الأمطار ومداهمة السيول لها «فيما تغيب أكثر طلاب المدارس من البنين والبنات لعدم تمكنهم من عبور الوادي»، مشيرا إلى أن السيول جرفت سيارتين يملكها وأوصلتهما إلى سد وادي مراوة. فقدان المزارع في ذات السياق، شكا عتيق صالح الزهراني من فقده مزرعة الرمان التي يملكها كما حدث لبعض أبناء قريته، مؤكدا «يصعب عبور الوادي الذي يصل طوله لأربعة كيلومترات، والعديد من المركبات علقت في الوادي فتمت الاستعانة بالحبال لسحبها، فيما تهدمت بعض الآبار كما سحبت السيول مواتير الآبار»، مشيرا إلى أنه لحقت بهم أضرار كبيرة جراء ذلك. وشهدت «عكاظ» خلال جولتها على قرية مراوة، عددا من أبناء القرية الذين تغيبوا عن أعمالهم وعددا من الطلاب المتغيبين عن مدارسهم لعدم مقدرتهم على عبور الوادي، فيما شوهدت سيارة للدفاع المدني علقت في بطن الوادي عندما كان أفرادها يحاولون إخراج مواطن احتجز هناك. لا يتم الترخيص سألنا المهندس ناصر عبدالله العلياني رئيس بلدية المندق عن سكان الأودية وكيف يسمح لهم بالسكن فيها، أفاد «أبدا، لا يتم الترخيص أو البناء في بطون الأودية أو ما جاورها، وهناك مراقبة مشددة على بطون الأودية من الإحداثيات أو محاولات البناء الخفية، كما أن هناك توجيها للأمانات والبلديات بالمتابعة المستمرة للأودية والعمل على نظافتها وإزالة المخلفات منها أولا بأول حتى لا تكون عوائق عند نزول الأمطار وجريان السيول». من جانبه، أكد المهندس محمد مبارك المجلي أمين منطقة الباحة، أن جميع العبارات الموجودة حاليا في وادي قوب سوف تزال، مبينا أن هذا المشروع طرح على أحد المقاولين للبدء في إزالتها وإنشاء أخرى بحجم أكبر إضافة لتوسعة الوادي. وبين المجلي «تضاريس المنطقة وجغرافيتها جعلت الأهالي يبنون مساكنهم في مواقع مرتفعة، وهذا ما يغلب على وضع البناء السكني في منطقة الباحة»، ومؤكدا «لا يتم اعتماد وتوزيع أي مخطط سكني إلا بعد دراسته ومعرفة احتياجاته خصوصا ما يتعلق بقنوات تصريف مياه الأمطار وبعد المخطط عن الأودية أو مجاري السيول، وإذا ما لوحظ انحدار المياه من خلال الجبال ومرورها بالمخطط، فإن الأمانة تعمل على إيجاد قنوات تصريف حتى يكون في مأمن من أية إشكالية تتعلق بهذا الجانب»، فيما أوضح مدير الدفاع المدني بمنطقة الباحة العميد إبراهيم بن حسين الزهراني، أن ارتدادات البناء في وادي قوب ساهمت في تضييق مجرى السيل إضافة لضيق العبارات، وقال «ما نخشاه أن تتعرض تلك العبارات للانسداد بمخلفات السيول ما يؤدي لفيضان المياه للمحلات التجارية المجاورة للوادي»، ملمحا إلى أن لجنة من الدفاع المدني أجرت دراسة حول ذلك ورفعت توصياتها حيال معالجة وضع الوادي. وادي نجران والتعديات في ذات السياق، تعاني الأودية في منطقة نجران ومحافظاتها والأحياء السكنية والشعاب، كبقية بعض المناطق من التقاعس أووضع حد لمسألة التعدي على بطونها، ما يعرض ساكنيها لمخاطر الموت والغرق، وتلف أموالهم ومنازلهم بسبب السيول الجارفة والموسمية، حتى أصبحت هذه المشكلة هاجسا يؤرق الجميع. وما حدث من تعد على بطون أودية نجران بطرق مختلفة خلال العشرين سنة الماضية وحتى اليوم بشكل متسلسل بات مسألة مقلقة تجاه بعض الذين تقع أراضيهم في محاذاة الوادي، وبالتالي انتهزوا الفرصة ووضعوا أيديهم عليها للامتداد، ومنع أياد أخرى تمتد إليها أو تستولي عليها حسب العرف القبلي، وامتداد وجهة أراضيهم نحو الوادي حسب المتبع في المنطقة. الوادي المنهوب «الوادي المنهوب»، هذا هو المسمى الذي أصبح الأهالي يطلقونه على وادي نجران الشهير، بعد الاستيلاء على حرم أراضيه ومجرى مياهه من جميع الاتجاهات، و وسط تسارع وتيرة الامتداد اليومي للتعديات اختفت هوية وحدود الوادي خلال السنوات الأخيرة، فيما تزايدت وتيرة التعديات مع تزايد البناء العمراني والكثافة السكانية، إضافة إلى ظهور طامعين في قبض كعكة التعويضات التي ينتظرها الكثير بالملايين للمشاريع التنموية الجديدة على أطراف الوادي، والذين سارعوا للحصول على صكوك شرعية بطريقة ما، كون أراضي الوادي مقابلة لأراضيهم، وبالتالي رأوا أن من حقهم تملكها. والتعديات على مجرى وادي نجران تبدأ من موقع انطلاقه غربا من سد نجران وحتى شرقا، وهذه المشكلة تنتج مخاطر كثيرة يغفل عنها الكثيرون أو يتغافلون عنها، خصوصا وأن معظم الأودية النجرانية تصب في النهاية في الوادي الكبير من كل مكان، وسط انعدام لمخارج أو عبارات السيول بعد تزايد العمران بشكل متدرج بين المزارع والأودية، حيث تواصلت تلك التعديات في امتدادات مستمرة وصلت المزارع وحظائر الأغنام، فيما يتهم البعض الجهات المعنية خصوصا لجنة التعديات التي تضم أعضاء من كافة الجهات المختصة بالتقاعس إزاء متابعة التعديات على الوادي ومنع حدوثها، ما أدى إلى تضييق مجرى السيل من جميع الاتجاهات بعد امتدادات طالت الوادي بالمزارع والمنازل، واتضح أن الكثير من المواطنين يواصلون الدخول إلى الوادي يوميا عبر ردميات مخلفات إنشاءات المنازل، فيما يضع البعض الآخر عقوما ترابية على أطراف المزارع وسط الوادي. وفيما لاتزال مشاريع مجاري السيول وتصريف مياه الأمطار في مراحلها الأولى في بعض أحياء نجران مثل حي الفيصلية وحي الفهد الشمالي والجنوبي، وحي الأمير مشعل وامتدادا إلى الأحياء الجنوبية الغربية للمدينة مثل أبا السعود، زور، وادعة والقرى المجاورة لها وباتجاه الشرق، نظرا للامتداد السكاني بين الأحياء مثل الغويلة والرويكبة وحي الشرفة، التي تشكل مصبا هاما للوادي من جميع الاتجاهات، وتكثر به المزارع والمساكن الموجودة داخل بطون الأودية والأحياء المحيطة بها شرقا، والتي تحتاج معالجة وفق تخطيط عمراني يمنع الوقوع في مأزق السيول بين السكان كما حدث في بعض المناطق. تعديات بطرق احترافية عدسة «عكاظ» رصدت العديد من صور التعديات على طرف الوادي حيث يعمد البعض إلى زراعة مساحات على أطراف الوادي، وخلال أشهر تتحول من مزرعة إلى منزل أو استراحة أو سكن، بالإضافة إلى أن هناك نوعا آخر من صور التحايل بالردم اليومي لمخلفات البناء، وزحف على مجرى الوادي ووضع عقوم ترابية، ناهيك عن إغلاق البعض لمخارج مياه السيول «العبارات»، والتي ردم البعض منها بالأتربة، ما ينذر بمشاكل كبيرة في حال هطول أمطار غزيرة. ومن جهتهم، عبر عدد من المواطنين في نجران عن استغرابهم من عدم اتخاذ موقف صارم حيال ما يحدث لوادي نجران من عملية نهب وسطو متواصل لمجراه الطبيعي «وكأن الوادي هو المنفذ الوحيد للعيش، ما أسهم في منع وصول المياه لمستويات عالية ونضوب الآبار الارتوازية باتجاه الشرق منذ أكثر من 15 عاما» هكذا أوضحوا ل «عكاظ». ويقول سالم حمد اليامي «وادي نجران أصبح منهوبا من بعض الأهالي المحاذين له من جميع الاتجاهات وأصبحوا يمتدون إليه لإخفاء معالمه دون أن يكون أي تحرك من الجهات المعنية من الأمانة ولجنة التعديات والسماح لهم العبث بالوادي». ويقول المواطن منصورحمد اليامي «وادي نجران كان يصب منذ سنين طويلة من غربه حتى نهاية طريقه نحو الشرق في الربع الخالي، واليوم اختفت معالمه بالبنيان والمزارع بعد قلة الأمطار، والناس أمنوا عدم وجود سيول كثيرة فيما كان أجدادنا السابقون يحذرون من البناء داخل مجارى السيول المعروفة لدى الجميع»، وأكد «يجب أن يقول المسؤولون كلمتهم في هذه المشكلة، لأن الكارثة لو حلت لا سمح الله، سيتضرر المواطن وبالتالي ستتكلف الدولة مصاريف كبيرة كما يحدث في بعض البلدان أثناء الفيضانات والأمطار». أما علي الشريف، فطالب من جهته بوقفة جادة من الجهات الحكومية بوضع حواجز خرسانية وتحديد حدود الوادي ورفع التعديات الحاصلة يوميا، والحفاظ على هوية نجران كمصدر لمياه الشرب ودرء المخاطر عند هطول أمطار غزيرة ، وأضاف «هناك خطة من إدارة طرق نجران بإنشاء طريق آخر مقابل لطريق الملك من الجهة الأخرى لطريق الملك عبدالله، لوضع حد للتجاوزات على الوادي، ليستفيد الجميع من المياه الجوفية التي بدأت آبارها تجف منذ أكثر من 15 عاما في المناطق الشرقيةلنجران بسبب عدم وصول مياه السيول إليها، وبالتالي جفت المزارع وخسر المزارعون كثيرا من أراضيهم وتحولت بعضها إلى مبان سكنية».