«لا تنجز الأعمال العظيمة بالقوة بل بالمثابرة» صامويل جونسون نريد هنا أن نتناول شيئاً من أسباب القوة النفسية الذي يكون له اتصال مباشر بكينونة الإنسان ووجوده وغايته وتطلعاته، وذلك من خلال هذه الفواصل: التضلع من تفاصيل أصول الإيمان الستة: لا يهتم الإنسان بشيء بقدر اهتمامه بأمرين: 1- أن يعلم من أين أتى؟ وأين يذهب؟ ولماذا هو موجود؟ 2- أن ينعم بسكون الضمير. ولا شيء يعدل التضلع من أصول الإيمان الستة «الإيمان بالله وملائكته وكتبه و...» في سد هذه الفاقة البشرية، ولا نعني هنا تعداد هذه الأصول أو معرفة بعض تفاصيلها والوقوف على ثمرات الإيمان بها «لا»، بل نعني اليقين «نعم»، فعندما يسرق السارق نسأله ألم تعلم بأن الله يرى، فسيقول: «بلى أعلم»، فكيف إذن سرقت؟ لقد سرق، لأنه على غير اليقين أنها المعرفة المجردة الباردة التي لم تصحب بمقتضيات هذا الإيمان بأن الله رب متصف بأنه سميع بصير، يرى ويسمع، ومما يؤكد ذلك قوله صلى الله عليه وسلم: «لا يسرق السارق حين يسرق وهو مؤمن». ويقول السعدي في قوله تعالى: «اللَّهُ نُورُ السَّمَاوَاتِ وَالأرْضِ»، «كذلك النور المعنوي يرجع إلى الله، فكتابه نور، وشرعه نور، والإيمان والمعرفة في قلوب رسله وعباده المؤمنين نور، فلولا نوره تعالى لتراكمت الظلمات، ولهذا: كل محل يفقد نوره فثم الظلمة والحصر». وهذا باب واسع سأفرد له بإذن الله مقالة مستقلة، بعنوان «الآثار النفسية للإيمان بالأصول الستة» معرفة الإنسان نفسه: وذلك بضبط المعادلة بين كونه أكرم المخلوقات وبين أنه ضعيف شديد الضعف؟ قال تعالى: «الذي خلقك فسواك فعدلك»، وقال: «ولقد كرمنا بني آدم»، وأيضاً قال «وخلق الإنسان ضعيفاً»، وقال: «إنا خلقنا الإنسان من نطفة أمشاج نبتليه». فهو مخلوق من ماء مهين محتقر، وهو مكرم معتدل السوية في آن، نعم ونؤمن بالله، فهو إذا سفح الدم، وأقام عرشه على الجماجم، يقال له أنت ضعيف أمام قوة الله، فاتقه وهذا حق. وإذا أنكر البعث والنشور، يقال له: «وضرب لنا مثلا ونسي خلقه قال من يحيي العظام وهي رميم قل يحييها الذي أنشأها أول مرة». وإذا دنس نفسه بالمعاصي وذل برأسه لأعدائه وتلون، ليبقى على حياته، قلنا له: أنت مكرم حر أبي. وإذا دخل في نوبة فلسفية حادة ضيقت العيش في عينه بأن تراجع وتقهقر وشكى الضعف البشري والضعف الإنساني، عددنا له مكامن القوة التي أودعها الله بني البشر والطاقات الهائلة التي أمدهم بها، وهكذا فالعبد ضعيف بنفسه قوي بالله فقير بنفسه غني بالله، وبهذا تجتمع النصوص. التوازن بين حاجات الإنسان المتنوعة: عندما يتعرض جسم الإنسان للحرارة، فإنه يفرز العرق ليبرد الجسم، وعندما يتعرض للبرودة فإن عضلاته ترتعش، لتوفير قدر ولو ضئيل من التدفئة، وذلك لتحقيق التوازن البيولوجي، وهكذا فالإنسان جسد وروح وعقل، ولكل جزء من هذه حاجات ووظائف، وهو لا يؤدي وظائفه أو يؤديها في شكل مختل إذا لم تلبى هذه الحاجات في شكل جيد ومتوازن، بمعنى أن الذي لا ينظم وجباته ولا يحافظ على ممارسة الرياضة في شكل شبه يومي أو الذي لا يؤدي الفرائض أو لا يتقرب بالنوافل أو مثلاً يعاقر ضروباً من المعاصي أو لا يقرأ ولا ينمي مهاراته الفكرية ولا يغذي عقله بالنافع من المعارف والعلوم فهو مختل في جانب من جوانبه ومعطل في جزء من أجزاء تكوينه. وعلى ذلك فسيتجرع غصص الضعف يوماً بعد يوم، وتحقيق القدر الطيب من التوازن بين هذه المكونات كفيل بأن يتمتع الإنسان بقوة نفسية، يجابه بها الحياة، ويسترخي بها في منطقة بهيجة، وما هي الحياة إن لم تكن المجابهة القاسية والاسترخاء اللذيذ. وفي النهاية أعلم علماً جازماً بأنك لن تكتفي بما لست في حاجة إليه إلى اللقاء. [email protected]