أحيا المئات من أهالي بلدة كفر قاسم الفلسطينية داخل «الخط الأخضر» أمس، الذكرى السنوية ال57 للمجزرة التي ارتكبها الجيش الإسرائيلي مع بدء العدوان الثلاثي على مصر قبل 57 عاماً وحصدت أرواح 49 من أهالي القرية. وقام الأهالي بمسيرة تقليدية إلى أضرحة الشهداء انطلقت من المسجد وسط المدينة مروراً بالنصب التذكاري للضحايا حيث وضعوا أكاليل الورد. وحمل المتظاهرون الأعلام الفلسطينية والسود ولافتات كتبت عليها أسماء الشهداء. وبرزت مشاركة طلاب المدارس في البلدة التي أضربت عن التعليم إجلالاً لهذه المناسبة وحداداً على أرواح الشهداء. وسار في طليعة المسيرة رئيس البلدية نادر صرصور ووجهاء البلدة وبعض قادة الأحزاب. وفي نهاية المسيرة، ألقيت كلمات من قادة البلدة وباسم الطلاب وأحفاد الشهداء. وأكد المتحدثون أن إحياء ذكرى المجزرة سنوياً يدل على أهميتها وهي تخليد لذكرى الشهداء الأبرار الذين قتلوا بدم بارد على يد قوات الجيش الإسرائيلي. وأشاروا إلى أن كفر قاسم ما زالت على العهد والوفاء لشهدائها و «لن نستسلم أمام المحاولات المتواصلة لاقتلاعنا وتهجيرنا من أراضينا، بل نقول لأصحاب هذه المحاولات إننا هنا باقون، هنا ولدنا وترعرعنا وهنا نبقى». وقالت روز عامر باسم أحفاد الشهداء»: «إليك جدتي أقول إن والدي ورفاقه أبوا إلا أن يكملوا المشوار، مشوار النضال والعطاء... كفر قاسم على العهد والوفاء لشهدائها، فابنك ورفاقه هم أول من بادروا وأقاموا هذا النصب التذكاري الذي أصبح اليوم معلماً ومزاراً». ووقعت المجزرة في بلدة كفر قاسم (القريبة آنذاك من الحدود الأردنية) في اليوم الذي بدأت إسرائيل بعدوانها على مصر (وشاركتها في اليوم التالي بريطانيا وفرنسا)، إذ أعلن الجيش الإسرائيلي حظر التجول في البلدات العربية القابعة أصلاً تحت الحكم العسكري تحسباً من رد فعلها على العدوان. وتلقى قائد «حرس الحدود» في كفر قاسم المدعو شموئيل ملينكي أوامر بإطلاق النار «على كل من يشاهَد في الشارع»، وقضى الأمر بكل صراحة أن «يُفرض الحظر من دون اعتقالات، وحبّذ أن يسقط بضعة قتلى». لكن أمر الحظر لم يبلغ مسامع المواطنين العرب الذين كانوا في حقولهم أو خارج بلدتهم، فوقعوا ضحية الرصاص المكثف مع عودتهم إلى منازلهم بعد أن تم تجميعهم، رجالاً ونساءً وأطفالاً، في مدخل القرية الوحيد في طابور واحد. وأطلق الجنود الرصاص عليهم بدم بارد ووحشية حتى تأكدوا من قتلهم. واستشهد 49 شخصاً، بينهم الأطفال والنساء، تم دفنهم بأمر من الجيش في مقبرة القرية ومنع ذويهم من توديعهم. وتكتمت إسرائيل عن المذبحة لثلاثة أسابيع حتى نجح النائبان الشيوعيان في الكنيست توفيق طوبي وماير فلنر والصحافي أوري أفنيري في اختراق القرية والكشف عما تعرضت له، ما اضطر الحكومة الإسرائيلية إلى تشكيل «لجنة تحقيق» أوصت بتقديم لوائح اتهام بحق 11 ضابطاً وجندياً. وخلال المحاكمة، قال الضابط ملينكي إن الأوامر الصادرة له من القائد الأعلى يسخار شيدمي قضت بوضوح بالتصرف «بلا عاطفة وبلا اعتقالات، والله يرحمو» (وقالها بالعربية) ضد كل من يخرق حظر التجول. وواجَه شيدمي لائحة اتهام بمخالفته 25 بنداً تتعلق بالقتل، لكن المحكمة برّأته من القتل واكتفت بإدانته بتجاوزه صلاحياته. ووبخته المحكمة على الأمر الذي أصدره وغرّمته بدفع قرش واحد على فرضه حظر التجول في القرية من دون استئذان الحاكم العسكري. وأصدرت المحكمة العسكرية أحكاماً بالسجن على عدد من المتهمين تم تخفيفها لاحقاً بعفو عام من رئيس الدولة. ودلّت تحقيقات في الجريمة على أن منفذيها تصرفوا بناء لتعليمات القيادة العسكرية العليا وبعلم سدنة المستوى السياسي. وأُدرجت المجزرة في إطار المعركة التي شنتها إسرائيل منذ إقامتها لتطهير فلسطين من أهلها.