يوفر مشروع «مدرسة.كوم»، الفائز بإحدى جوائز «وايز» الست في دورته الحالية، برنامجاً للتعليم في المدارس الابتدائية يلائم الثقافة المحلية في المغرب. وتعتمد 61 مدرسة أنشئت لحد الآن في سياق المشروع المجتمعي للمؤسسة، برامج تولي اهتماماً كبيراً لتطوير المهارات وتعكس ثقافة المجتمعات المحلية ومنها الأمازيغية على وجه الخصوص. وتلقى المدرسون تدريباً إضافياً، يمكّنهم من دعم أسر التلاميذ لمواكبة تطور أبنائهم. واستفاد من مشروع «مدرسة.كوم»، الذي تأسس سنة 2000، حوالى 15 ألف تلميذ، 500 منهم في التعليم الابتدائي، كما تلقت 300 عائلة تعيش بالقرب من المدارس تمويلاً لمشاريع صغيرة. وامتد مجال عمل المؤسسة بالإضافة إلى المغرب، الى بعض البلدان الإفريقية كالسنغال، الكونغو- برازافيل ومالي. ليلى مزيان بنجلون بلورت مشروعاً ينقذ الآلاف من الأطفال من وحشة الجهل والظلام، سواء في المغرب أو في أفريقيا. «الحياة» التقت بنجلون الفائزة بجوائز مؤتمر «وايز» وكان هذا الحوار: ماذا تعني لكم المشاركة في «وايز»؟ - يعد المؤتمر الدولي السنوي للإبداع في المجال التربوي الذي تنظمه «مؤسسة قطر»، ثمرة للجهود المبذولة في مختلف الأنظمة التربوية الدولية للرقي بجودة التعليم، وهو أيضاً مناسبة لتبادل الخبرات والتجارب الناجحة والتعريف بها، بما يسمح بانفتاح شبكة «وايز» على المزيد من التجارب والأنظمة التربوية والعاملين فيها من خبراء وأصحاب القرار في مختلف الدول، متقدمة كانت أو نامية أو فقيرة. وفي هذا السياق، حضرت مؤسسة البنك المغربي للتجارة الخارجية للتربية والبيئة دورة 2012 عبر مدير برنامج «مدرسة.كم» للاطلاع على مجريات مؤتمر «وايز»، لتقرر المشاركة في الدورة الحالية، من أجل تكريس السمعة الطيبة والجودة العالية التي يتمتع برنامج «مدرسة.كوم» على المستوى الوطني وعلى مستوى الدول الإفريقية التي استفادت منه. كيف استقبلتم خبر فوزكم؟ - بعدما قطعت مشاركتنا أشواطاً تمثلت في تقديم الترشيح، وما يتطلبه ذلك من معطيات وشروحات وتزكيات ومرافعات، وبعد زيارة قناة تلفزيونية دولية بعض المدارس، وإجرائها مقابلات مع الإدارة والأساتذة والتلاميذ وأمهاتهم وآبائهم والمستفيدين من خدمات التنمية الاجتماعية التي تقدمها مؤسستنا، وبعد التدقيق الذي قام به خبراء معتمدون من طرف «وايز» في بعض تفاصيل برنامج «مدرسة.كوم»، اتضح أن برنامج المشروع يستوفي كل الشروط من حيث الإبداع التربوي ويتجاوز ذلك إلى تحسين العرض التربوي في مناطق قروية صعبة ليتأكد لنا بالتالي أن الفوز سيكون في المتناول. وتلقينا خبر الفوز بالجائزة بفخر واعتزاز، وإن لم يكن مفاجئاً. فلم نشك للحظة بأن التتويج هذا الموسم سيكون من نصيبنا، ومما زاد في ثقتنا بأنفسنا معرفتنا السابقة بصدقية المؤسسة وقناعتنا بموضوعية لجنة التحكيم. كيف تبلورت لديكم فكرة المشروع؟ - عند إحداث مؤسسة البنك المغربي للتجارة الخارجية للتربية والبيئة سنة 1995، كان لا بد من إعطاء مضمون واضح ومحدد لمهمتي التربية والبيئة اللتين وضعتهما المؤسسة لنفسها، فاختارت المؤسسة ترجيح كفة تحديد مجال التدخل في التعليم في المرحلتين ما قبل المدرسية والابتدائية للتمكن من القيام بعمل دقيق يساهم في التجديد التربوي بدلاً من التوجه إلى جميع أسلاك التعليم وبالتالي الاضطرار إلى الاكتفاء بملامسة القضايا في شكل عام. هذا من جهة، ومن جهة أخرى تخصصنا في الوسط القروي حيث يقل العرض التربوي العام أو ينعدم، وتكثر أسباب الهشاشة. وبمجرد أن تمت بلورة فكرة البرنامج، استعانت المؤسسة بخبرة مجلس علمي مكون من أساتذة جامعيين مغاربة وأجانب لوضع الأسس وتحديد المتدخلين ومنهجية العمل، وهو ما أثمر برنامج «مدرسة.كوم» بمناهجه التربوية وشركائه المحليين وكيفية تمويله وعقد اتفاقية شراكة لمدة خمس سنوات مع وزارة التربية سنة 2000 تجددت بعد ذلك في 2005 ثم 2010. تستهدف الخدمات التربوية لمشروعكم المناطق القروية النائية والفئات الفقيرة والمهمشة، كيف كان حجم الإقبال في هذه المناطق؟ - قبل إحداث أية مدرسة من مدارس شبكة «مدرسة.كوم» يتم الانطلاق من دراسة الخريطة التربوية لمعرفة الأماكن التي تحتاج أكثر من غيرها إلى عرض تربوي في التعليم الابتدائي. وبمجرد تحديد المكان، يتم الاتصال بالسكان، وتحديداً بممثليهم المحليين وما يمكن أن يسمى أحياناً بالأعيان، للتداول حول المكان الأنسب لبناء المدرسة وإشراكهم في إدارتها بعد بنائها. لذا، فإن الإقبال على المدرسة لا يطرح أي إشكال ما دامت المدرسة الرسمية المتوافرة بعيدة، والأطفال موجودون بالأعداد الكافية. ويشكل الحصول على التعليم الأساسي الجيد في المناطق الريفية الفقيرة تحدياً للكثير من الأطفال وأسرهم في كل أنحاء العالم. وفي هذا السياق، فإن وجود مدارس ما قبل الابتدائي (الروضات) والمدارس الابتدائية يلعب دوراً حيوياً في ضمان أجيال شابة لديها الفرصة لتلقي التعليم الذي يناسب حياتها ومجتمعاتها. ما هي أهم التحديات التي تواجهكم؟ - من أهم التحديات التي نحسب لها ألف حساب توفير الأعداد الكافية من الأساتذة بمواصفات أكاديمية ومهنية واجتماعية معينة ممن يقبل منهم العمل في الوسط القروي. وعند توافرهم نواجه صعوبة تعويضهم بأساتذة بالمواصفات نفسها عند اضطرارهم، لأسباب اجتماعية، الى الانتقال للعمل في مدارس رسمية خارج شبكة «مدرسة.كوم». كيف تشركون المجتمع المحلي في هذه البيئة التعليمية؟ - تحاول المؤسسة أن توفر لأمهات وآباء وأولياء تلاميذ كل مدرسة ما من شأنه أن يرقى بمستوى عيشهم من قروض صغيرة وتكوين يوفر لهم نشاطات مدرة للدخل وبرامج لمحاربة الأمية الوظيفية. ولكنها تلاقي بعض الصعوبات على مستوى الإقناع بجدوى هذه المساعدات بخاصة عندما يتعلق الأمر باسترداد أقساط القروض أو إعطاء الأسبقية للنساء والفتيات في الاستفادة من برنامج محاربة الأمية وإسناد القروض لأسباب ثقافية. ربما يرجع السبب في كل هذا إلى كون المؤسسة تصر على تجنب كل ما من شأنه أن يشجع الاتكالية وعلى إعطاء المرأة الفرصة لتحقيق استقلاليتها المالية والاجتماعية. المعروف عن مشروعكم أنه أخذ على عاتقه دعم قطاع التعليم الابتدائي في المغرب، وخصوصاً تدريس الأمازيغية للأطفال في النطاق القروي. ما هو تقويمكم لهذه التجربة؟ - الأمازيغية لغة متداولة في عدد من دول شمال إفريقيا والساحل الإفريقي وفي جزر الكناري منذ آلاف السنين. وفي المغرب نسبة مرتفعة من الأمازيغيين، وأصبحت هذه اللغة رسمية في الدستور المغربي، إلى جانب اللغة العربية، منذ تموز (يوليو) 2011 بعدما كانت لغة وطنية فقط. وحددت مؤسسة البنك المغربي للتجارة الخارجية للتربية والبيئة، سنة 2000، من بين اختياراتها الأساسية إدماج اللغة الأمازيغية في المناهج التربوية في كل مدارسها. بعد ثلاث سنوات، تقرر إدخال اللغة الأمازيغية في المدارس الابتدائية العمومية تطبيقاً لقرار سياسي اتخذه العاهل المغربي الملك محمد السادس وتبنته جميع مكونات المشهد السياسي في البلاد، فبعد 13 سنة من إحداث المدارس الأولى لشبكة «مدرسة.كوم»، وبعد تخرج ثماني دفعات من تلامذتها، تأكد للمؤسسة ولوزارة التربية الوطنية ولأمهات وآباء وأولياء التلاميذ المعنيين بالبرنامج أن اختيار تدريس الأمازيغية اختيار منطقي وإيجابي ومفيد، فإذا كان بعض السياسيين يعتقدون أن تعلم الطفل ثلاث لغات في التعليم الابتدائي، من بينها اللغة الأم، إجهادٌ لقدراته، فإن الدراسات العلمية أثبتت في أنظمة متعددة أن هذا الحكمَ غير صائب، وأن تعدد اللغات قد يكون إشكالية في نظر الكبار وليس الأطفال. ما هو الأثر المميز الذي تركته المؤسسة وطنياً ودولياً، خصوصاً بفروعها في بعض الدول الإفريقية؟ - حينما تم إحداث مدارس شبكة «مدرسة.كوم»، لم يكن هناك أي عرض رسمي آخر، لذا فإن أمهات وآباء وأولياء التلاميذ الذين يرتادون حالياً هذه المدارس أو باتوا في المرحلة الثانوية او الجامعية لا يترددون في الاعتراف بالجميل لمؤسستنا والتأكيد أن مدارسنا أنقذتهم من الجهل وفتحت لهم أبواب المعرفة ويَسَّرَت لهم سبل الارتقاء الاجتماعي. وبمناسبة احتفاء المؤسسة بالناجحين في البكالوريا من قدماء تلاميذ شبكة «مدرسة.كوم»، قرر هؤلاء التلاميذ تشكيل جمعية قدامى شبكة «مدرسة.كوم» بتلقائية. وبالإضافة إلى اعتراف التلاميذ وذويهم بالجميل، استطاع كثير من المستفيدين من الدعم الاجتماعي أن يحسنوا مستواهم المعيشي وأن يتحرروا من إكراهات الجهل. وتفخر المؤسسة بالشهادات الكثيرة التي يقدمها هؤلاء اعترافاً وعرفاناً منهم بالأثر الإيجابي لخدمات المؤسسة على حياتهم وحياة أطفالهم. وبعدما افتتحت مدارس شبكة «مدرسة.كوم» في السنغالوالكونغو ومالي، تبين أن هذه المدارس تعتبر محركاً للمدارس الرسمية المجاورة، وأن المستفيدين منها يفخرون بالانتماء إلى هذه الشبكة بخاصة في أقدمها في السنغالوالكونغو حيث تجاوزت عشر سنوات. هل من مشاريع مستقبلية تابعة لمشروع «مدرسة.كوم»؟ - بالطبع هناك مدارس جديدة في طور البناء وهناك دراسة حاجات أماكن عدة للخدمات التربوية ومشاريع مدارس إفريقية جديدة، لكن اهتمام المؤسسة ينصب في الأساس على تحسين الخدمات التربوية في المدارس الموجودة من خلال تحسين القدرات التعليمية لأساتذتها والادارية لمديراتها ومديريها، وتجويد الوسائل التعليمية والمعينات المهنية، وتجهيز قاعة متعددة الوسائط لكل مدرسة بمزيد من وسائل التكنولوجيا والمواد الرقمية. كما تحاول المؤسسة كذلك أن توسع خدماتها الاجتماعية لسكان محيط كل مدرسة، وأن تساعد أسر قدامى تلاميذ شبكة «مدرسة.كوم» على توفير الحد الأدنى لمستلزمات متابعة الدراسة في التعليم الثانوي والتعليم العالي.