اختتم مهرجان فاس الدولي للرقص التعبيري أخيراً فعاليات نسخته الثامنة التي حملت عنوان "ربيع الجسد". وقال مدير المهرجان الفنان عزيز الحاكم إن انتهاء التظاهرة "يُبرز شعوراً مزدوجاً، الأول مرتبط بالسرور والإستمتاع، والآخر يضاعف حس المسؤولية ورهان تطوير المهرجان واستمراريته". وأضاف أن الدورة المنتهية "تميّزت بتنوع برمجتها التي أظهرت أن المغرب يزخر بطاقات تعبيرية عديدة، تمارس هذا الفن في ظروف صعبة، وخارج الفضاءات المناسبة للعرض". وتميّز اليوم الأخير من المهرجان (25 تشرين الأول الماضي) بتقديم عروض فنية متنوعة. فمن المغرب أتحف الكوريوغراف الشاب، وللمرة الثانية في المهرجان، الجمهور بعرضه الموسوم "بالأسود والأبيض"، ويجسد الصراع الأزلي بين الخير والشر. ومن تونس قدم الكوريوغراف وجدي غاغي عرضاً بعنوان "السكات"، فيما قدمت إيرتش ودوروتيا وفيراغ من هنغاريا عرضاً يحكي ثلاثية الماضي والحاضر والمستقبل، تحت عنوان "حين يحين الوقت". ودعا المشاركون في المائدة المستديرة التي عُقدت حول موضوع "لندع ألف جسد يتفتح" مصممي الرقص والباحثين عبر ربوع المملكة المغربية، إلى تزويد المهرجان بأقراص لرقصاتهم وبحوثهم من أجل حفظها في بنك المعلومات الذي جرى تفعيله هذه الدورة. وتركزت الندوة التي أدارها المفكر المغربي إدريس كثير، على تجديد الدعوة للاحتفاء بالجسد الذي لا يكون "من دون ظهور وبروز ومثول وشموخ"، وفق ما قيل. وتطرق الدكتور محمد الحجاوي في مداخلته، الى الجسد من خلال فلسفة نيتشه، "المفكر الألماني الذي شنّ حملة على العقل للدفاع عن الجسد، ثم من أجل تحطيم صنمية العقل منذ سقراط مروراً بأفلاطون، وصولاً إلى ديكارت في القرن السابع عشر". وحاول نيتشه وفق الحجاوي، "من خلال مشروعه هذا تحطيم التفكير الذي يلغي الجسد، وفي المقابل سعى إلى رد الإعتبار له". ونقل عنه قوله: "قد نعيش من دون عقل وذكاء، لكننا لا نستطيع العيش بلا جسد". وتناول الدكتور عبدالقادر المحمدي محاور كتابه الجديد الموسوم ب"أنتربولوجيا الجسد الأسطوري: بحث في الهوية والإمتداد"، الذي يتضمن بحثاً أنثوبولوجياً ميدانياً انطلاقاً من جسد أسطوري نموذجه جماعة "كناوة" بكل ما تعنيه من امتداد وهوية تاريخية". وركّز على الهوية معتمداً على الأدوات السيميائية التي يسمح بها الجسد. وشهد المهرجان كذلك على مدى خمسة أيام عروضاً كوريغرافية مختلفة، طبعتها بصمة الشباب من المغرب وتونس وفرنسا والولايات المتحدةوهنغاريا وروسيا، فضلاً عن ورش فنية أشرفت عليها المصممة الهنغارية فيراغ فيدا، ومعرض تشكيلي يبرز الجسد للفنانة الإماراتية بدور العلي. ومن العروض الفنية الشابة كان عرض "كابوس عاشورا" لفرقة "بين وبين" التي أتحفت الجمهور برقصاتها الحديثة، عبر مزجها بين جنس من الموسيقى الشبابية وفن الهيب هوب، ليعطي العرض في الأخير تركيبة تعبيرية أبدعها خمسة شباب (ديكساس سفرين، ياسين جومان، أيوب أبكان، أسامة موقطايب، شكيب اليملاحي) من المغرب وفرنسا، شكّل إحداث تناغم بينهم تحدياً كبيراً نتج عنه أداء عرض متماسك، يحكي قصة ذكريات الطفولة، عبر استحضار طقس عاشوراء. شريكا التظاهرة الأساسيان، وزارة الثقافة التي تدعم المهرجان منذ سنة 2008، والجماعة الحضرية لمدينة فاس، هدفا إلى إتاحة الفرصة لهواة الرقص والمهتمين وعامة الناس كي يستمتعوا بأجمل العروض الراقصة المحلية والعالمية، وأن يشكل مهرجان فاس الدولي للرقص التعبيري، الذي أسس سنة 2007، فضاءً للتلاقي والتلاقح وتبادل المعارف والخبرات بين الفنانين الكوريوغرافيين المغاربة والأجانب. وتبقى الغاية الأساسية للمهرجان، وفق عرابيه، مدّ الجسور بين ما هو أصيل وحديث وحداثي في مجال الرقص، عبر الجمع بين الرغبة في تعريف الجمهور بمميزات الرقص المعاصر وخصوصيات الرقص التقليدي. ويُشار إلى أن المهرجان فعّل بنك المعلومات الذي أنشيء سنة 2011، لتجميع كل الرقصات الحية والمهددة بالاندثار، وتوثيقها بالصور المتحركة والثابتة، وأرشفة البحوث التي تم إنجازها حولها، بهدف تأسيس ذاكرة كوريوغرافية، وتيسير السبل لكل الباحثين في هذا المجال من المغاربة والأجانب، وحماية التراث الكوريوغرافي المغربي من التبدد والانقراض. ويجمع البنك حالياً حوالي مئة رقصة حية، وعدداً من البحوث العلمية.