كانت طفلة عندما تزوجت، فلم تبلغ آنذاك ال14 من عمرها، ولكن والدتها شجعتها على ذلك، خصوصاً أنها لم تدرس ولا يوجد ما يشغلها. أيام عدة فقط عاشتها سعيدة، سعادة لا تستند إلى واقع معاش، بل مجرد تفاؤل بحياة زوجية مستقرة. فجأة وبلا مقدمات ومن دون المرور باللون الرمادي حتى، طبع السواد حياتها، وملأ الخوف قلبها وتقاطرت عليها المآسي من كل حدب وصوب. هذا هو عنوان الحياة التي عاشتها «أم أحمد»، البنت الساذجة التي تعلمت دروساً بطعم المرارة. وتقول أم أحمد: «لم يكتب لي الله حياة هانئة منذ 23 عاماً، أعول خمسة أطفال لوحدي (ولدان وثلاث بنات)، تخلى عنا الجميع. وتعود المرأة المحطمة بالذاكرة إلى بداية زواجها: «عشت يتيمة مع والدتي وثلاثة أشقاء، وكان خالي هو من يعولنا، لذلك وافقت على زواجي مع أنني كنت طفلة»، وتؤكد أم أحمد: «زواجي كان الباب الذي دخلت منه المصائب، فبعد مرور أربعة أيام على زواجي، لم يعد زوجي إلى المنزل، وتوقعت أن والده أرسله إلى عمل ما أو ما شابه، ولكن فوجئت به يعود في صباح اليوم التالي في حال يرثى لها ويقول كلاماً غير مفهوم، موضحة بأنها استغربت من وضعه وحاله، ولكنها بعد ذلك علمت أنه مدمن على تعاطي المخدرات». وتتابع: «تكرر غياب زوجي عني، إذ إنه يغيب عني في بعض الأحيان أسبوعاً كاملاً. حملت أم أحمد بعد مضي شهر على زواجها وأنجبت توأماً من البنات، «لم أهرب إلى والدتي، فهي عاجزة وأعلم أنها لا تريد أن أعود إلى منزل خالي، خصوصاً أن شقيقيّ حصلا على وظائف متواضعة وعملا في الرياض»، مشيرة إلى أنها بقيت عند زوجها ورضيت بما كتب الله لها. وتبرر أم أحمد: «لا يوجد مكان أهرب إليه ولا أسرة تستقبلني، الجميع تخلى عني، مضيفة بأنها عاشت ستة أعوام على هذا الوضع أنجبت خلالها أبناءها الخمسة. فجأة ساءت الأوضاع، إذ توفي زوج أم أحمد ثم بعد ذلك بعام توفي والده بعد معاناة مع المرض، أما والدته كبيرة في السن ومعوقة، ووجدت الأرملة البائسة نفسها بلا مأوى مع أبنائها، «استأجرت منزلاً في بلدة مجاورة في الخرج، ويعلم الله كم مرّ علينا يوم وليلة ونحن جياع لا نجد حتى الخبز». وتستطرد: «كانت ابنتاي تبلغان التاسعة من العمر، وأجبرتهما الظروف على الابتعاد عن الدراسة، لم أعد أعرف ماذا أفعل، وهرب الجميع من مساعدتنا، عدا صاحب المنزل الذي استأجرته، إذ كان يتصدق علينا بما تجود به نفسه». كرّست أم أحمد جهدها لأن ترسو بأبنائها على شط الأمان، فبدأت بممارسة تجارة بيع الملابس الجاهزة، «كان همي الأكبر إطعام أبنائي وضمان استمرار دراستهم، فاقترضت مبلغاً بسيطاً وبدأت أجول بين المنازل بملابس جاهزة، ولكن ظروفي الصحية وعدم وجود أحد يساعدني في عمل البيت، أجبراني على التوقف. وتتمنى أم تهاني من ذوي القلوب الرحيمة النظر في وضعها فهي في حال يرثى لها، «ليس لي من حيلة سوى البكاء على ما آلت إليه حالنا، الأيام تضيق علينا الخناق يوماً بعد الآخر، والشكوى لله وحده»، آملة من فاعلي الخير النظر إليهم بعين العطف ومساعدتها وأبناءها في ما يعيشون فيه من ظروف قاسية.