حلم المشروع الإسلامي حمله الإسلاميون في عدد من البلاد الإسلامية، تمحور حوله الإخوان، وأصبح الحلم والهدف، وسعوا لتحقيقه، بينما رفض الآخرون ما أسموه بالإسلام السياسي. تزداد حال الاستقطاب يوماً بعد يوم في الشارع المصري، ومعها يزداد الانقسام، وتصبح الفجوة واسعة، فتحول المصريون من حال اتحاد وتلاحم ثوري إلى حال استقطاب سياسي لصراع، فانقسام، فتناحر فاحتراب. هل يمكن الجزم بفشل الإسلام السياسي في إدارة الحكم؟ على رغم تجربة الإخوان القصيرة في الحكم وفشل حزب الحرية والعدالة في اختزال الدولة من خلاله وبصرف النظر عن تجربة أردوغان التي اعتبرها الإخوان مثلهم الأعلى، وعلى رغم اختلاف الشخص الذي كان رجلاً للدولة، وليس لشريحة من الدولة واختلاف الدستور الذي ما زال يحمل ملمحاً علمانياً إلا أن تجارب الآخرين من خلال الإسلام السياسي لا تنبئنا أيضاً بنجاح. ففي إيران، غرقت مؤسسة الحكم البلد في حصار دولي أكثر من ثلاثة عقود، وهو ما أدى إلى عزلة يعيش فيها، وتدهور حينذاك على رغم اختلاف سيكولوجية الشعب الإيراني المعروف بصبره وهدوئه، كما أن التجربة الأفغانية المتمثلة في نظام طالبان أعادت أفغانستان إلى الوراء في تجربة شديدة القمعية. لسنا بصدد تحليل الإسلام السياسي في بعض الدول ولا مناقشة محاولة تطبيق المشروع الإسلامي. لكن في من يحاولون التطبيق ويفشلون، فيتبعهم آخرون، ويتوالى الفشل في وصم للإسلام، وليس للأشخاص، وبعيداً عن التجارب الأخرى في عدد من البلاد، أتساءل لماذا فشل الإخوان في مصر في وقت وجيز، وكانوا من يحصدون المقاعد في الانتخابات البرلمانية، ووجدت أنهم أخفقوا في إدارة البلاد، ولم تكن لديهم سياسة ممنهجة، إضافة إلى وجود خطة اتضحت لنا اليوم، تقوم على إفشالهم ولفظهم من المجتمع، ظهرت العراقيل والمعوقات، وزاد منها فشل الإخوان في التعامل معها، فلم يتمكنوا من السيطرة على مفاصل الدولة من دون السيطرة على أدوات القوة من شرطة وجيش. حاول الإخوان أن يتغلغلوا داخل تلك المفاصل من ناحية، ومن ناحية أخرى حاولوا حشد مؤيدين لهم، وهو ما أدى إلى ريبةٍ اجتاحت صدور المصريين التي حاول الإعلام تأجيجها، كما زاد من ذلك سقطة الدستور وسد النهضة ومؤتمر نصرة سورية الذي رفعت فيه أعلام القاعدة وعدم تحسن أحوال البلد من فوضى وارتفاع الأسعار وغياب الأمن وغيره أسهم على سقوط الإخوان عوامل تكوينهم الأيدلوجي والسياسي والتنظيمي، إضافة إلى مكيدةٍ أطاحت بهم من النظام القديم، لم ينجح الإخوان في القضاء على النظام القديم أو إقصائه، بل حاولوا مسايرة قوى النظام القديم والمصالحة مع مؤسساته، شارك العسكر في تخطيط المرحلة الانتقالية مع الإخوان، بل وقاموا بالدور نفسه الذي قام به العسكر نحوهم اليوم، وهو شيطنة الحركات الاحتجاجية والقوى المعارضة التي هاجمت المجلس العسكري بل ناصروا المجلس العسكري في قمعه للثوار محمد محمود وماسيبرو ومجلس الوزراء وبين حليف الأمس وعدو اليوم كانت سقطتهم، لم يتقدم الإخوان أي خطوات في مشاريع العدالة الانتقالية وهيكلة نظام الشرطة، بل قاموا بمضاعفة موازناتها وتكريم القيادات والتصالح مع القوى الرأسمالية من عصر مبارك، دخل الإخوان في صراع مع المؤسسة القضائية، وهو ما أدى إلى فقد السيطرة عليها أو التفاهم معها، فخسروا مؤيد أو على الأقل محايد، فشل الإخوان في إدارة دولاب العمل الحكومي، وازدادت الاحتجاجات الفئوية، وارتفعت الأسعار مع أسعار المحروقات، إضافة إلى أزمات انقطاع الكهرباء والبنزين وغيرهما، وأدى ذلك إلى تشتت جهود حكومة ضعيفة برئاسة قنديل في إحراز أي خطوات، لامتصاص غضب الشعب، فشل الإخوان في بناء التحالفات السياسية، واعتمدوا على الظهير الشعبي الذي سرعان ما تخلى عنهم، حين انطفأت آماله في تحسن سريع وملحوظ للوضع الاقتصادي، وكانت معركة الدستور فاصلة للإطاحة بمرسى في اعتراض وانتقاد من الأحزاب والقوى المدنية، بالغت القوى المدنية في مخاوفها من الإخوان، وساعد الإعلام في ذلك، وتصيد السقطات التي تمر لولا وجود مبدأ الإفشال، لم يستطع الإخوان تطبيق أجندة الإصلاح والتطهير الحكومي، ولم يستطيعوا اختراق المؤسسات وخلق هياكل موازية جديدة، وعندما بدت لنا بعض المحاولات، رأى الآخرون ذلك مجرد تمكين للإخوان ومحاولة فرض السيطرة على مفاصل الدولة، بعيداً عن تطهيرها. قام الإعلام بدور خطر في بث مشاعر الخوف من تجربة حكم الإخوان وبث بعض الأكاذيب، ومن ثم تحولت مشاعر الخوف للكراهية والنبذ، وكان المشهد الأخير، لم يبد مرسي أية مرونة في الاستجابة لدعوة الانتخابات الباكرة التي طالب بها ملايين المصريون، وقعت مصر بين قوتين، الإخوان الذين كان يلزمهم مزيداً من الوقت والدعم للسيطرة على أدوات القوة، وبين الجيش الذي أدرك أن الإخوان يلزمهم مزيداً من الوقت، ليظهروا بعضاً من الإنجاز والنجاح، فكان للقوة سيف قطع به الوقت، وأطاح بمرسي في تجربة قصيرة مريرة على الإخوان والشعب، فكلاهما ظالم ومظلوم فيها. [email protected]