غالبية السينمائيين تكره التلفزيون، وتعتبره وسيلة للتسلية وتزجية الوقت، فهو يتهم بالخفة وبابتعاده عن التعمق في القضايا والمسائل بوصفه أداة إعلامية تتوجه إلى جميع الشرائح. ولكن على رغم ذلك يستنجد به السينمائيون، فلا يكاد يخلو فيلم من حضور التلفزة، ليس كمجرد قطعة ديكور فحسب، بل إن هذا الحضور له وظيفة تخدم الحكاية التي يتناولها أيضاً. إذا حدثت جريمة في فيلم، فإن التلفزة هي التي تتكفل شرح طبيعتها وترجيح عدد القتلى، ومن هو المتهم المحتمل فيما يكون بطل الفيلم، كالعادة، في المنزل يصغي جيداً الى الشاشة ليقوم بعد ذلك بمحاربة الأشرار... وإذا ما فرّ أحد المتهمين وحاول التخفي في الأرياف الأميركية، مثلاً، في مقهى ناء، فإن صورته ستظهر حتماً على شاشة تلفزيون ذلك المقهى، وهو ما سينبّه صاحبه كي يتصل بالجهات المختصة، فيستشعر البطل الهارب الخطر ليأخذ الفيلم مساراً آخر بفضل أخبار التلفزيون... ولئن وقع هجوم في مدرسة، فإن والدة التلميذة ستكون في المطبخ، حينئذ، وستنتبه، فجأة، إلى أن ثمة كارثة حلت بمدرسة ابنتها، فتخرج راكضة من منزلها لتبحث عن الفتاة... ثمة أمثلة لا تحصى عن أفلام استعانت بالتلفزيون كي تمرر أخباراً ومعلومات يصعب تمريرها عبر حوار بين شخصيتين أو عبر تعليق صوتي أو حتى عبر الكتابة على شاشة الفيلم السينمائي. هي معلومات ذات طبيعة تلفزيونية، إن جاز التعبير، ولأن هذا الجهاز حاضر في المنزل والمكتب والمطعم والنادي والمصنع، فان الطريقة الأسهل لإيصال المعلومة إلى إحدى الشخصيات، وبالتالي إلى المتلقي، تكون من طريقه. لنتذكر، مثلاً، أن فيلم «بابل» اعتمد على التلفزيون كثيراً في حبكته المتقنة، كما ان فيلم «المليونير المتشرد» اتكأ في شكل أساس على برنامج تلفزيوني، وسنعثر على لائحة طويلة إن أردنا البحث في أرشيف السينما. بعبارة أخرى ان كاتب السيناريو السينمائي الذي يستلهم مواضيعه من صخب الحياة المعاصرة لا يستطيع أن يلغي التلفزيون من باله وهو ينسج حكاياته وقصصه. ومع ان التلفزيون يقدم حلولاً درامية مقنعة في الكثير من الحالات والمواقف، إلا أنه يظل «منبوذاً» في عرف السينمائيين، ويبدو أن الوقت حان للاعتراف بقيمة التلفزة ليس لأنها تنقذ المخرجين من بعض «المآزق الإخراجية»، كما أشرنا، بل كذلك لأنها شرعت في انتاج افلام سينمائية، كما انها باتت تحتضن وتعرض أفلاماً تصعب رؤيتها لو اقتصر عرضها في الصالات السينمائية التي تعاني ما تعانيه في العالم العربي، ناهيك عن وجود فضائيات تخصصت في عرض الافلام السينمائية. ولعل العداوة راحت تخف عما كانت عليه في مرحلة المخرج الايطالي فيلليني، مثلاً، الذي كان ينظر الى التلفزة باستخفاف شديد، لكنه رضخ للعمل فيها. المصالحة، إذاً، بدأت مبكراً، وراحت تتكرس بمرور السنوات.