إذا كانت السينما الكردية حققت نجاحات وكرست اسماء أثبتت حضوراً في المهرجانات السينمائية مثل بهمن قبادي وهُنر سليم ومانو خليل وشوكت أمين كوركي وكارزان قادر وساهيم خليفة وسواهم، فإن الدراما الكردية (ونقصد المسلسلات التلفزيونية) لم تحقق حضوراً مماثلاً، فالإنتاج ضئيل لدرجة لا تذكر، ولم يعرف هذا الحقل اسماء تعادل شهرتها شهرة السينمائيين. طبعاً هذا التفاوت بين السينما والدراما له أسباب وعوامل لا مجال هنا لشرحها، غير أن اللافت أن هذا الشح في المسلسلات التلفزيونية أفرز حالة درامية خاصة، أقله لدى الوسط الكردي السوري الذي راح يتبادل أقراصاً مدمجة تحوي لوحات كوميدية نقدية لأحد أشهر الممثلين ضمن هذا الوسط. النجم المقصود هو بافي طيار، وهو يتمتع بشهرة لم تنبع من التلفزة، بل بفضل محبيه الذين يفضلونه على آل باتشينو ونيكولاس كيج وروبرت دنيرو... لا أحد يشغل باله بكيفية انتاج هذه اللوحات الدرامية، وعلى أي حال هي لوحات تنجز بأقل التكاليف عبر كاميرا بسيطة من دون أي مراعاة للإضاءة أو الديكور أو الصوت أو المونتاج وغيرها من التقنيات الفنية. كل ما يهم ان بافي طيار، وفريقه الدرامي المتواضع، يتحدث في اسكتشاته عن ملامح وطبيعة الحياة في المناطق الكردية من الزراعة الى العلاقات الاجتماعية الى استلهام التراث الشعبي الشفاهي... وغير ذلك من المواضيع المحلية التي يتناولها بطريقة كوميدية خفيفة تجذب شريحة واسعة ممن يقضون ساعات في مشاهدة مغامرات «بافي طيار» بدلاً من سماع نشرات الأخبار التي تبعث على الكآبة. ولئن تصدر بافي طيار المشهد لسنوات، إلا أن منافساً شرساً ظهر له، في الفترة الأخيرة، اسمه شيرزان. هذا الفنان المنسي، بدوره، الذي ينتمي الى مدينة عامودا يقدم ما يشبه المونودراما، فهو غالباً يظهر بمفرده متوسطاً الكادر. يرتجل شيرزان ما شاء له الارتجال مقلداً مقدمي البرامج وصولاً الى انتقاد زعماء الأحزاب الكردية مروراً بكل ما قد يخطر على البال: يقلد القذافي أو يعلن انشقاقه أو يرقص البوب أو يقيم عرساً أو يذوب حنيناً إلى مدينته بمجرد أن وطأت قدماه اسطنبول، فضلاً عن عناوين أخرى من قبيل «شيرزان والفوارق السبعة»، أو «شيرزان المليونير المتشرد». وما يميزه عن زميله، فضلاً عن جانب الأكشن والحركات الرشيقة الضاحكة، هو أنه برز في مرحلة «اليوتيوب»، لذلك طبقت شهرته الآفاق على اعتبار أن الامر لم يعد يحتاج سوى إلى زيارة سريعة لموقع مقاطع الفيديو المعروف حتى تظهر لك قائمة طويلة بإبداعات شيرزان. ما يجمع بين «النجمين المنسيين» هو السخرية المرة والتهكم وجرعة الانتقاد الحادة، وتوظيف مقولات وتواريخ ووقائع معروفة تلامس مشاعر ووجدان معجبيهما، وفي الحالتين ثمة كوميديا لكنها «سوداء» تروي تفاصيل الخيبات، ولعل إحدى هذه الخيبات هي خيبة النجمين اللذين لم يجدا محطة تحتضن موهبتهما، فاخترعا طرقاً أخرى وحازا نسبة متابعة عالية تفوق نسب متابعة كثير من المحطات الكردية.