«ثأرنا عميق، فقدنا بطلاً مقداماً، سيأخذ بثأره غضنفر آخر، ستندمون» جملة تكررها قيادات الجماعات الأصولية المتطرفة في أفغانستان، التي أرهقت البلاد والعباد في رحى حرب مستمرة في دورانها لأكثر من 40 عاماً، الجرح ينزف في البلاد منذ عقود، ومن الصعوبة أن يلتئم بسهولة، بيد أن المتناحرين جمعتهم خيمة خادم الحرمين الشريفين التي خصصت لهم في الحج متجاورين، ويتبادلون الأحاديث الودية من دون تحسس. وعلى رغم حال الحروب المستمرة وعدم الاستقرار، التي لاحقت بلاد الأفغان منذ أربعة عقود، ابتداءً بالانقلاب في نهاية السبعينات من القرن الماضي، مروراً بحرب قادة الجماعات المقاتلة في ما بينهم، والتي يسميها الأفغان «فتنة المجاهدين» في التسعينات بعد انسحاب القوات السوفياتية، إضافة إلى حركة طالبان التي تقود تمرداً على حكومة البلاد منذ أعوام عدة، يبقى الإسلامي الأصولي يتبادل طريف الأحاديث مع الأكاديمي ذي التوجهات المدنية من دون تحسس أو انقطاع عند باب المخيم بالقرب من الجمرات في مشعر منى. استطاعت «خيمة منى» أن تجمع الأضداد وأن توحد الفرقاء، ولو في فترة الحج بأقل تقدير، ويؤكد عضو المجلس الأعلى للسلام في أفغانستان الحاج الأفغاني أمين الدين مظفري، تجسيد الحج لصورة الإسلام الحقيقية التي تدعو إلى السلام وعدم الظلم، مشيراً إلى أن الحج يبرهن على إمكان السلام بين المتصارعين غير الملتقين على نقطة اتفاق واحدة، في إشارة إلى بلده الذي لم يعرف الاستقرار منذ عقود. ويضيف مظفري العضو السابق في مجلس الشيوخ الأفغاني: «خادم الحرمين له أثر فعال في خدمة الإسلام والمسلمين، جمعه لنا مشكوراً في خيمة واحدة فيه دلالة واضحة على أنه رجل سلام في مكان السلام بزمن السلام، نشكره ونشكر الشعب السعودي الذي أحسن استقبالنا وعاملنا بلطف معهود». ويرى عضو المجلس الأعلى للسلام في أفغانستان والذي حج للمرة الثالثة، أن فرص السلام باتت قريبة للأفغان، نظراً إلى وجود مفاهيم جديدة، نتجت من الحروب المرهقة لكل الأطراف المتنازعة، واصفاً حج هذا العام ب«المؤثر والمساهم في فرص السلام في كابول». ويقول مظفري: «حملنا السلاح ضد الاعتداء السوفياتي على أرض وطني، والآن ندعو إلى السلام، يجب ألا نحمل السلاح إلا للدفاع عن الوطن، وألا نوجه فوهة المدافع إلى إخوتنا في الوطن مهما اختلفنا، لدينا ركائز وثوابت يجب ألا تمس، أما الباقي فمعروض للنقاش». من جهته، يرى نائب رئيس جامعة كابول عبدالرؤوف جوهري، وهو ذو توجهات مدنية، أن الحج يجسد معنى المحبة والإخاء، لافتاً إلى أن أغلب قاطني الخيمة التي يبيت فيها في مشعر منى من المتحاربين منذ التسعينات، بيد أن الحج محا كل آثار الحرب والكراهية من وجوه الموجودين في الحج. ويتابع: «نشكر السعودية على حسن الضيافة، والحج فرصة لمراجعة الذات وتصحيح المسار والأفكار، في منى هذا العام اجتمع قرابة مليوني حاج، كلهم ينشدون هدفاً واحداً، يريدون المغفرة والثواب من رب العباد، شكر الله سعي الحجيج، ووفق من أسهم في تنظيم وإدارة الحشود الغفيرة في المشاعر».