ظلمة السجن لا ينساها من مر بها حتى مع مر الزمان وتقدم السن وتغير الظروف، فالحرية نعمة لا يدركها إلا المساجين ولكن قد تأتي أعمال جليلة تنسي تلك الأيام وتمحوها من الذاكرة ومن أهمها أداء فريضة الحج وهذا ما ألمح به الحاج العراقي محمد علي ويروي قصته قائلاً: اعتقلت اعتقالاً سياسياً وأودعت السجن لقضية لم يكن لي أي علاقة بها سوى الاشتباه بأني معارض للحكومة السابقة في العراق وأودعت السجن لمدة تجاوزت 12 عاماً عانيت خلالها أشد أنواع العذاب والمآسي داخل السجون العراقية وتدهورت صحتي ويتّم أبنائي وأنا على قيد الحياة مع العلم بأني كنت أعمل في التجارة ولم يكن لي علاقة بالسياسة لا من قريب أو من بعيد ولا يهمني من يترأس العراق سوى تأمين الكرامة والمعيشة الطيبة للمواطن ولكن قدر الله وما شاء فعل، ويضيف بعد أن استلمت الحكومة الجديدة في العراق مقاليد الحكم تم إطلاق سراحي أنا وعدد من نزلاء السجن آنذاك وخرجنا من السجون بعد ضياع أعوام عدة وغالية علينا لنشاهد العراق وهو مدمر من جميع النواحي سواء سياسياً أم اقتصادياً أم اجتماعياً ونرى تفككاً أسرياً كبيراً في جميع البقاع، ويشير إلى أنه كان موعوداً مع المآسي من جديد وهذه المرة من طريق ابني الذي استشهد بطريقة وقحة وبعيدة كل البعد عن القيم الإنسانية والأخلاقية والدينية وكانت وفاته من طريق تفجير أودى بحياته هو ومجموعة من زملائه الأبرياء الذين كانوا يمرون بالصدفة من أمام المكان المستهدف تفجيره عندها زادت المأساة والهموم ولم يبق للحياة لذة أو طعم وأصبحت أنا وأمه نلازم المنزل بعد فقدنا كل عزيز وجميل في هذه الحياة بداية من السجن ونهاية باستشهاد ابني، ويقول بعد هذه الأعوام العجاف أتاني البشير يبشرني بأن الحكومة اختارت بعضاً من الذين تعرضوا للسجن أو من أسر الشهداء وكنت أجمع بين الاثنين وتم اختياري أنا وزوجتي، بعدها أحسست بأني مقبل إلى الله ونسيت كل ما تعرضت له وبدأت أعد العدة للسفر إلى خير البقاع وعند مشاهدتي للكعبة من أول وهلة محيت من ذاكرتي كل اللقطات السيئة التي تعرضت لها ولم تساو عندي الدنيا شيئاً، واصفاً رحلته للحج بأنها من أجمل أيام حياته، وزاد: سروري وفرحي الذي خاصمني طوال أعوام عدة عند وقوفي بعرفات والصلاة في مسجد نمرة وكل الناس سواسية كيوم الحشر، وهذه تعتبر المرة الأولى أزور فيها الأماكن المقدسة وأؤدي فريضة الحج في طمأنينة وراحة من جميع النواحي سواء النفسية أم التنظيمية التي تقوم بها الحكومة السعودية، معتبراً أن هذه الأيام تعد بداية لحياة جديدة بالنسبة له مليئة بالروحانية والرضا بقضاء الله وقدره وأن الحياة مجرد عبور إلى الآخرة.