يبدو مشهد المستوطنات المحيطة بمدينة بيت لحم، مهد السيد المسيح عليه السلام، والتجمعات القريبة منها مثل بيت جالا وبيت ساحور، كأنها كائن أسمنتي عملاق يتمدد فوق الجبال والتلال، مهدداً بابتلاع الأرض واجتياح المدن. فما إن تفتح نافذة بيتك في مدينة بيت جالا حتى تصطدم عيناك بسلسلة من المستوطنات المتراصة الممتدة مثل «غيلو» و «هار غيلو» و «قريات مناحيم» و «قريات يوفيل» و «غرغيم» و «أورا». ومن ساحة كنيسة المهد التي شهدت ميلاد يسوع المسيح، يصطدم نظرك بمستوطنات «هار حوما» و «بيتار» و «غفعات همتوس» وغيرها. وكذلك الأمر في مدينة بيت ساحور. وامس، استضافت المدن الفلسطينية الثلاث التي تتركز فيها غالبية المسيحيين الفلسطينيين نظراً لارتباطهم بالموقع الذي ولد فيه السيد المسيح، عشرات الديبلوماسيين الأجانب لإطلاعهم على حجم الخطر الاستيطاني الذي يبتلع أرضهم، ويهدد بقاءهم في أرض المسيح. وقال رئيس بلدية بيت جالا نائل سلمان مخاطباً الديبلوماسيين الأجانب: «إسرائيل تصادر أرضنا قطعة قطعة وتقيم عليها المستوطنات، وعندما تصادر أرضنا فإننا نفقد مصدر حياتنا، وهي الأرض التي نزرعها، ونفقد القدرة على البناء والتوسع واستيعاب الأجيال الجديدة، لذلك فإن مصادرة الأرض، مصدر العيش، يدفع المسيحيين للبحث عن مصدر الرزق في مكان آخر، وهذا يؤدي إلى تفريغ أرض المسيح من المسيحيين». وأضاف: «كان المسيحيون يشكلون 20 في المئة من سكان فلسطين قبل إقامة إسرائيل، واليوم يشكلون أقل من 2 في المئة بسبب الهجرة بحثاً عن مصدر للرزق بعد أن احتلت إسرائيل ارضنا وصادرت أملاكنا ومصادر رزقنا». ومضى يقول: «الهدف واضح، وهو تفريغ أرض المسيح من المسيحيين، تفريغ ارض فلسطين من الفلسطينيين، فماذا ستعني كنيسة المهد اذا لم يكن حولها مسيحيون؟». وزار عشرات الديبلوماسيين وممثلي المؤسسات الأجنبية، خصوصاً الأوروبية، جبل كريمزان في بيت جالا المهدد بالمصادرة، وساعدوا الفلاحين في قطف الزيتون. وقال خوري رعية بيت جالا الأب إبراهيم الشوملي، إن 85 عائلة من بيت جالا مهددة بفقدان مصدر رزقها إذا أتمت إسرائيل مخططها الرامي إلى اقامة جدار حول بيت جالا وعزل أراضي جبل كريمزان. وأضاف: «تبلغ مساحة جبل كريمزان 7200 دونم مزروعة بالزيتون والعنب واللوز، وفي حال جرى بناء الجدار، فإن 85 عائلة ستفقد مصدر حياتها». وتبلغ مساحة بيت جالا 14500 دونم تسيطر البلدية على 3000 دونم والباقي مغلق أو مصادَر أو خلف الجدار أو مهدد. واعترض أهالي بيت جالا على مخطط إسرائيل لعزل أراضي جبل كريمزان خلف الجدار، ورفعوا اعتراضهم إلى محكمة العدل العليا الإسرائيلية. لكن رئيس البلدية يرى أنه من دون ضغط سياسي، فإن إسرائيل ماضية في إقامة الجدار على أراضي المدينة. وخاطب ممثلي الدول الأوروبية قائلاً: «من دون ضغط حكومات بلادكم، فإن إسرائيل ستقيم الجدار وتصادر الأرض، كما فعلت في الجزء الآخر من أرض بيت جالا». ويظهر مخطط بناء الجدار في هذه المنطقة أنه سيربط بين مستوطني «غيلو» و «هار غيلو» ويفصل بيت جالا كلياً عن أرضها الممتدة حتى مدينة القدس. ويفصل الجدار وفق ما هو مخطط بين دير كريمزان ودير الراهبات، اللذين لا يبعد أحدهما عن الآخر سوى عشرات الأمتار. وقال رئيس بلدية بيت جالا: «هذه جريمة ضد الإنسانية، والرد عليها يكمن في العمل على توفير حماية دولية للكنائس المسيحية وللمسيحيين الذين يعيشون حول هذه الكنائس منذ ميلاد المسيح حتى يومنا». ووفق جهاز الإحصاء المركزي الفلسطيني، فإن المساحة الكلية لمحافظة بيت لحم تبلغ 608 كيومترات مربعة، وعدد السكان نحو 200 ألف نسمة. ويعزل جدار الفصل الإسرائيلي 160647 دونماً من أراضي المحافظة. ويبلغ عدد المستوطنات والبؤر الاستيطانية في المحافظة 33 مستوطنة مساحتها 18158 دونماً، ويعيش فيها نحو 90 ألف مستوطن. وقال عضو اللجنة المركزية لحركة «فتح» الدكتور نبيل شعث، إن إسرائيل تتعمد الاستيلاء على أراضي بيت لحم بسبب قدسيتها، مشيراً إلى الأهمية الاقتصادية لذلك. وأضاف: «لم تبق ارض ذات قدسية في فلسطين إلا ويعمل الإسرائيليون على الاستيلاء عليها». وحض الدول الأوروبية على المضي قدماً في مشروعها الرامي إلى مقاطعة المستوطنات ابتداء من مطلع كانون الثاني (يناير) العام المقبل، مشيراً إلى أن المقاطعة الدولية هي الأسلوب الأمثل لمواجهة مشاريع التوسع الاستيطاني في الأراضي الفلسطينيةالمحتلة.