بعد محادثة هاتفية بين الرئيسين الإيراني، حسن روحاني، والأميركي باراك أوباما بدأت «اللعبة الكبري» بين الجمهورية الإسلامية الإيرانية والولايات المتحدة في الشرق الأوسط. وتشير «اللعبة الكبري» إلى مصطلح تاريخي يرجع إلي أوائل القرن التاسع عشر عندما كانت المنافسة العسكرية والسياسية علي أشدها بين الإمبراطوريتين البريطانية والروسية في منطقة آسيا الوسطي والتي استمرت إلى ثورة تشرين الأول (أكتوبر) 1917. وشهد التصعيد بين أميركا وإيران حالاً من الهدوء إثر إعلان نتائج الانتخابات الرئاسية الإيرانية الأخيرة بسبب الخطاب المعتدل للرئيس روحاني، ومرونة الديبلوماسية الإيرانية في العلاقات الخارجية. وساهم في إفساح المجال أمام هذه المرونة التزام الرئيس الأميركي في حملته الانتخابية، فتح حوار مباشر مع طهران من أجل حل ملفها النووي في شكل سلمي. وأعلن روحاني في حملته الانتخابية أن الأوروبيين لا يستطيعون اتخاذ قرار في شأن إيران ما لم يحصلوا علي الضوء الأميركي الأخضر. لذا، تبرز الحاجة إلى حل خلافاتنا مع أميركا سلمياً. والدرب إلى مثل هذا الحل طويل وشائك وغير معبد بالورود. وليس الحوار علي مستوي مراكز القرار، أي بين رئيسي البلدين، يسيراً. لكن، وعلي رغم الصعاب، بادر أوباما وروحاني إلى الخطوة الأولي، وتكلما هاتفياً. وهذه خطوة ديبلوماسية شجاعة ومهنية. ولا يخفى أن القدرات الإيرانية تنمو وتتعاظم. ولا يسع أميركا وحلفاءها الإقليميين تجاهل القوة الإيرانية، وعليهم أن يحتسبوا الدور الإيراني في حل مشكلات المنطقة، خصوصاً، أن القوة الإيرانية تضاعفت بعد الانتخابات الرئاسية الأخيرة إثر تحسن علاقة الشعب بالحكومة. وفي الأزمة السورية نجحت إيران في إقناع الأسرة الدولية بانتهاج الخيار السلمي والديبلوماسي لحل هذه الأزمة. واعترف وزير الخارجية الروسي، سيرغي لافروف، بدور إيران في اتخاذ قرار تفكيك الأسلحة الكيماوية السورية. ونجحت طهران في إبعاد شبح الحرب في المنطقة، وأثبتت توجهاتها السلمية. وتمكنت من إطفاء نار الحرب التي أرادها الآخرون في المؤتمرات التي عقدت في تركيا والأردن وجنيف وغيرها من المناطق لمصلحة الخيارات السلمية. وقررت طهران وواشنطن الانتقال من التخاصم والعداء إلي السلام. بالتالي، علي الجانبين انتهاج قواعد جديدة للعبة تتناسب مع الظروف الجديدة. وجلي أن أعداد معارضي التقارب الإيراني - الأميركي ليست قليلة. ويسعى المنافسون الإقليميون إلى إفشال أي تقارب بين الجانبين. و «ضغوط» الإسرائيليين واللوبي المساند لهم والمحافظين الجدد علي الرئيس الأميركي مفهومة. ولكن، من حق إيران أن تقلق حين يقول الرئيس أوباما إن الخيار العسكري لا يزال علي الطاولة. وعلي المسؤولين الأميركيين أن يدركوا أن المواقف المتناقضة تقوض صدقية بلادهم في الأسرة الدولية. ولا شك في أن إيران اتخذت قرارها الواضح والصريح في انتهاج سياسة «مرونة الأبطال». وتسع الحكومة الإيرانية إدارة الوضع الداخلي والأجواء المحيطة بها على أحسن وجه. وتلتزم إيران القوانين الدولية وخطاباً سياسياً معتدلاً يدعو إلى السلام. وفي هذا الإطار أعلنت موقفها الثابت إزاء القضية الفلسطينية الذي يدعو إلي إجراء استفتاء شعبي في الأراضي الفلسطينية المحتلة من أجل تحديد شكل النظام السياسي بمشاركة جميع أفراد الشعب الفلسطيني من يهود ومسلمين ومسيحيين. وتبرز الحاجة إلى إعلان طهران ضرورة التوصل إلي حلول سياسية للأزمة السورية تستند إلي انتخابات حرة. وإبراز هاتين النقطتين المنسجمتين مع الأعراف والمواثيق الدولية يسحب الذرائع من أعداء الجمهورية الإسلامية الإيرانية. وخطاب السلام هو من أجدى الخيارات التي تستطيع مواجهة دعاة الحروب. * محلل، عن «بهار» الإيرانية، 5/10/2013، إعداد محمد صالح صدقيان