طالب الأستاذ المساعد بقسم الفقه في جامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية الدكتور عبدالعزيز الشبل بإلحاق أحكام الأحوال الشخصية بنظام «التعاملات الإلكترونية»، في الوقت الذي استبعد نظام التعاملات الإلكترونية مسائل الأحوال الشخصية من أحكام النظام وفقاً للمادة الثالثة، التي أشار الشبل إلى ما نصت عليه من أن «مسائل الأحوال الشخصية لا تدخل في أحكام هذا النظام»، فيما لم تنص على أنّها لا تصحّ بالوسائل الإلكترونية. وتأتي هذه الفجوة، في الوقت الذي تُركت فيه هذه المسألة لاجتهادات الناس، خصوصاً أن مسائل النكاح أهم من المسائل المالية - بحسب ما نبّه إليه الشبل - كما يؤكد الافتقاد إلى وجود بحث متعمق يناقشه، مقترحاً إضافة مواد تناسب الأحكام الخاصة بها وعدم تركها للاجتهادات، مع توعية الناس بعظم أمور النكاح والطلاق وعدم الاستهانة بها. وقال الشبل في دراسة محكمة نشرتها مجلة القضاء عنوانها «الإثبات الإلكتروني في النكاح والطلاق» إن بعض الناس يستهين ويُقدم على الزواج أو الطلاق عبر الوسائل المعاصرة من غير أن يعرف تبعات ذلك، محذراً من التسرع بالفتوى لصعوبة وتعقيد مسائلها ما يستدعي التريث والتأمل ممن يخاف الله. ولفت الشبل إلى ما وصفه بالفراغ الكبير مع كثرة وقوع الطلاق من طريق الوسائل الإلكترونية وتزايد مواقع الزواج الإلكتروني وحاجة البعض إلى عقد زواج مع شخص آخر يسكن في دولة أخرى، في ظل توسع الناس في استعمال التقنية الإلكترونية. إثبات الزواج إلكترونياً: وفيما أشار الشبل إلى اختلاف الفقهاء المعاصرين في حكم عقد النكاح بواسطة وسائل الاتصال المعاصرة كالهاتف والجوال والفاكس والإنترنت، إلا أنه رجّح قوة القول بصحة النكاح بوسائل الاتصال المعاصرة إذا تم بشروطه الشرعية المعتبرة. إذ يرى القول الأول، صحة عقد النكاح بوسائل الاتصال المعاصرة إذا توافرت شروطه المعتبرة شرعاً، مستدلين بما استدل به الحنفية في مسألة جواز النكاح كتابة، كما أن هذا النكاح عقد تم بشروطه الشرعية من رضا الزوجين والولي والشهود يسمعون العقد أو يقرؤون المرسلات بين الطرفين. أما الثاني، فيتمثل في القول بعدم صحة عقد النكاح بوسائل الاتصال المعاصرة، ومن قال بهذا القول اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء في السعودية، ويستدل أصحاب هذا القول بأن التزوير انتشر مع وسائل الاتصال المعاصرة واحتاط الشرع في أمور النكاح، وسمي ميثاقاً عظيماً لذلك ينبغي الاحتياط لعقد النكاح، فلا يعقد بهذه الوسائل، إذ لا بد من اجتماع الزوج والولي والشهود وعند عدم إمكان الاجتماع، فإنه يمكن أن يوكل من يقبل النكاح نيابة عنه. وبناء على ذلك، شدد الشبل على ضرورة الاحتياط في وسائل الإثبات بدءاً بالتأكد من هوية العاقدين والشهود، إلى جانب إمكان استثمار وسائل الإثبات الإلكترونية، مثل التواقيع الرقمية أو الدوائر التلفزيونية الخاصة بالجهات الحكومية وغيرها من وسائل الإثبات المعتمدة عالمياً في المعاملات الإلكترونية والحكومية. إثبات قبول الزواج: توصّل الشبل إلى أن إثبات قبول النكاح لا يخلو من أن يتم بوسيلة كتابية، مثل إرسال رسالة بالبريد الإلكتروني أو كتابة رسالة بوسائل المحادثة أو من طريق رسالة الجوال. مشيراً إلى قولين فقهيين في حال كان القبول تم بوسيلة اتصال إلكترونية كتابية: الأول، أن طرق الإثبات الإلكترونية لا تصلح للإثبات في هذه المسألة لوجود اتجاهين في سبب عدم قبول الوسائل الإلكترونية لإثبات صيغة النكاح، وهما: - أولا: أن التعاقد بالكتابة كناية والكناية تحتاج إلى نية ولا يمكن لأية وسيلة إلكترونية أن تثبت أن كاتب الرسالة كان ينوي عقد النكاح، لذلك لا يمكن إثبات الصيغة الكتابية بأية وسيلة إلكترونية مهما كانت. - ثانيا: أن عقد النكاح عقد عظيم وميثاق غليظ لذلك لا بد من الاحتياط فيه والوسائل الإلكترونية عرضة للتزوير والانتحال فتكون غير صالحة لإثبات عقد النكاح. فيما ينص القول الثاني على أن صيغة عقد النكاح إذا تمت بوسيلة إلكترونية موثوقة يمكن إثباتها من طريق الخبراء ويعمل بها وتكون مثبتة لإصدار الإيجاب من الولي أو القبول من الزوج، ولكن لا بد من الاحتياط لهما أكثر من الاحتياط في العقود المالية. في المقابل، لم يُغفل الشبل أن يتم النكاح بوسيلة صوتية أو مرئية مثل المكالمات الصوتية أو بأحد برامج المحادثة مثل «ماسنجر» أو «سكاي بي»، ويُرجح صحة إجراء عقد النكاح بالوسائل الإلكترونية، منبهاً إلى أهمية الاحتياط في عقد النكاح، وذكر أنه بناء على ذلك فإنه إذا عُقد على امرأة بوسيلة اتصال معاصرة فلا تخلو مسألة الإثبات من حالين: الحال الأولى: أن يقر الطرفان بأنهما أجريا النكاح، وأنه لم ينتحل أحد شخصيتهما وعلى ذلك يكون النكاح صحيحاً، ولا نحتاج التثبت من الوسيلة الإلكترونية، وذلك لأن الإقرار من طرق إثبات النكاح. الحال الثانية: أن ينكر أحدهما إجراء عقد النكاح بالوسيلة الإلكترونية أو أن يزعم أن شخصيته انتحلت. الإثبات الإلكتروني للطلاق: في ما يتعلق بكيفية إثبات الطلاق إذا أرسل الزوج لزوجته طلاقاً مكتوباً بوسيلة إلكترونية، فلم يخرجه الشبل من ثلاث حالات: - الحال الأولى: أن يقر الطلاق ويقر أنه أراد الطلاق فهنا يقع الطلاق بلا إشكال. - الحال الثانية: أن يقر بكتابة الرسالة ولكن ينكر أنه كان يريد الطلاق فيقع هنا الخلاف في أربعة أقوال: قول قائل إن الطلاق يقع لأن كتابة الطلاق في حكم الطلاق الصريح، وقول ثانٍ إن الطلاق لا يقع وهذا على قول من يقول إن كتابة الطلاق كناية تستلزم النية، والقول الثالث إن وصلت الرسالة إلى الزوجة وقع الطلاق، القول الرابع إن كانت الرسالة مرسومة وقع الطلاق، ومن الكتابة المرسومة الآن إرسال رسالة جوال أو بريد إلكتروني وغير المرسومة أن يكتب في أحد المنتديات أو في أثناء محادثة مع أحد زملائه ويرجح الباحث القول الرابع. - الحال الثالثة: أن ينكر كتابة الطلاق من أساسه، فحينئذ تخرج في المسألة ثلاثة أقوال: القول الأول: لا بد أن يشهد عدلان بأنه كتب الرسالة وإلا فإنه يقبل إنكاره. القول الثاني: لا بد أن يشهد عدلان بأنه كتب الرسالة ويعرفان ما كتب فيها ويعلمان وصولها إلى الزوجة من غير تحريف. القول الثالث: يعمل بالقرائن إذا غلب الظن أنه أرسل الرسالة لا يقبل قوله ويقع الطلاق، وإذا غلب الظن عدم كتابته الرسالة فإن الطلاق لا يقع وهذا القول الراجح. وفي ما يتعلق بالطلاق اللفظي عبر الجوال أو من طريق أحد برامج المحادثة ثم ينكر الطلاق وتدعي الزوجة أنه طلقها، فأشار الشبل إلى وقوعها ضمن أمرين: - الأول: إثبات أن المرأة سمعت الطلاق بهذه الوسيلة كأن نثبت أنها سمعت الطلاق بواسطة الجوال. - الثاني: إثبات أن الصوت هو صوت الزوج وأنه تلفظ بالطلاق من غير تركيب أو تزوير للصوت، وهذا الإثبات صعب جداً، إذ إن برامج تعديل الصوت وتغييره كثيرة وأصبح استخدامها شائعاً، فلا يقبل مجرد تسجيل لصوت الرجل إذ الأصل بقاء النكاح ولا ننتقل عن الأصل إلا بدليل ومجرد تسجيل الصوت ليس كافٍ لإثبات الطلاق إلا إن أمكن إثبات أن الصوت صوت الزوج وأنه لم يدخل عليه أي تعديل أو تغيير، فهنا يمكن القبول ويصعب ذلك جداً في ظل ما ذكر أعلاه من توافر أجهزة لتعديل وتركيب الصوت.