نشرت صحيفة «الحياة» في 25-9-2013، خبراً مفاده أن سيارتين تابعتين لهيئة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر طاردتا سيارة في أحد شوارع الرياض كان يستقلها شقيقان. وتعمدت إحدى سيارات الهيئة صدمها ثلاث مرات، مما أدى إلى سقوطها من كوبري، ومقتل أحد الشقيقين وإصابة الآخر بجروح خطرة، ثم فر أعضاء الهيئة من مكان الحادثة. إن قضية مطاردة سيارات الهيئة للمواطنين وإزهاق الأرواح البريئة من دون وجه حق ليست هي الأولى، بل أطلق عليها صبغة «مسلسل» لتكرارها. فعلى مدى الأعوام الماضية تكررت مثل تلك الحوادث في عموم مناطق المملكة. ففي تاريخ 8-9-1427ه، نشرت بعض الصحف المحلية في المملكة أن سيارة تابعة لهيئة عرعر طاردت سيارة كان يستقلها شاب وفتاة على طريق جديدة - عرعر، فنتجت عن ذلك حادثة مؤسفة، مما تسببت في وفاة الفتاة وإصابة الشاب المرافق لها بكسور وجروح بليغة. وفي 26-2-1428ه، نشرت الصحف المحلية أيضاً أن سيارة الهيئة طاردت شاباً يرافق فتاة في السيارة في مدينة الطائف، وبسبب هلع الشاب عكس السير، مما أدى إلى حادثة مرورية أصيب فيها سائق كان في الخط الآخر بكسور. وفي تاريخ 2-3-1429ه، نشرت الصحف المحلية أيضاً أن شاباً وفتاة لقيا مصرعهما نتيجة مطاردة رجال الهيئة لهما على طريق المدينة - تبوك، مما تسبب في اصطدام سيارتهما بشاحنة كانت تسير في الاتجاه المعاكس، وأسفرت الحادثة عن حريق سيارة الشاب، مما أدى إلى تفحم جثة الشاب بالكامل، فيما انفصل رأس الفتاة عن جسدها واحترقت أيضاً. وأكد ستة شهود واقعة المطاردة، كما أكدت الأدلة الجنائية وجود احتكاك بين السيارتين. وفي 23-3-1429ه، نشرت بعض الصحف المحلية أيضاً أن شابين وسيدة وابنتها التي كانت مخطوبة لأحدهما كانوا يستقلون سيارة، ولقي الشابان مصرعهما على طريق الخليل في المدينةالمنورة، نتيجة لمطاردة سيارة الهيئة لسيارتهم. وشهد الشهود بأن المتسبب في الحادثة كانت سيارة الهيئة وأعطوا أوصافها. واعترف أحد موظفي الهيئة أمام المحققين بأنه حصلت مطاردة فعلية منهم، وأفاد أحد الشهود بأنه طلب من رجال الهيئة الذين كانوا حاضرين مساعدته في نقل المصابين، فرفضوا ذلك. وفي 28-8-2007، نشرت الصحف المحلية أن عضوين من هيئة جازان طاردا مواطناً وزوجته لعلة حالة اشتباه اختلاء، مما أدى إلى حادثة اصطدام. ومنعت الهيئة المسعفين من الهلال الأحمر من مساعدة الزوجة، وعلل مدير فرع الهيئة - آنذاك - تصرف موظفيه بأنهم فعلوا ذلك خوفاً من أن تستبدل تلك المرأة بامرأة أخرى في المستشفى. وعلى رغم فداحة الأفعال والتصرفات التي قام بها موظفو الهيئة، إلا أن جميعها كانت تعلل من الرئاسة - وقتئذ - بأنها ليست إلا تصرفات فردية وتجاوزات بسيطة، وكل ما قامت به الرئاسة - آنذاك - أنها نظمت لموظفيها الميدانيين دورات تدريبية خاصة عن كيفية التعامل مع الناس، دورات لا تغني ولا تسمن من جوع، وكان الأحرى أن تردع من قام بتلك الأعمال التي لا تعبر عن سماحة الإسلام في شيء. ثم صدر في تاريخ 7-7-1429ه، تعميم مشدد من رئاسة هيئة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر بمنع أعضاء الهيئة الميدانيين من المطاردة. وعلى رغم ذلك، وفي يوم الأحد الموافق 5-10-1429ه، نشرت الصحف أنها حدثت مطاردة عنيفة بين هيئة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر بسيارتهم الجيب لسيارة كانت تقل شاباً وفتاة في مدينة الرياض، مما أدى إلى حادثة مرورية مروعة بارتطام سيارة الشاب بعدد من السيارات، متجاهلين توجيه رئاسة الهيئة لهم إضافة إلى الجهات الرسمية الأخرى بعدم مطاردة السيارات، وهو المنع الذي أكده نائب رئيس الهيئة الشيخ إبراهيم الهويمل - آنذاك - والذي وعد بالتحقيق في الحادثة ومعاقبة المخالفين، وانتهت المطاردة بإجبار الشاب على التوقف بعدما ارتطمت السيارة بسور أرض فضاء في حي التعاون، سبقها اصطدامه بأربع سيارات وقيادة السيارة على «الجنط» لعشرات الأمتار، حتى خرج الشرر منها كما أكد شهود عيان، لينجح رجال الهيئة في القبض على الفتاة وترك الشاب في سيارته بعد ضربه ضرباً مبرحاً من عضوين في الهيئة. وفي يوم 9-7-2012، كان عبدالرحمن بن أحمد الغامدي خارجاً مع زوجته وأولاده من حديقة الشكران في محافظة بلجرشي، حين سمع أحد رجال الهيئة الموجودين على بوابة المتنزه صوت المسجل مرتفعاً من سيارته فأمره بالتوقف إلا أنه لم يمتثل للأمر، فانطلقت سيارة دورية هيئة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر لتطارد سيارة تلك العائلة أسفرت عن وفاة المواطن الغامدي وإصابة زوجته وطفليهما بجروح بالغة. صدرت توجيهات من القيادة العليا في الدولة بمنع المطاردة من الجهات الأمنية والهيئة. كما صدر أمر من الرئيس المباشر لهيئة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر - آنذاك - الشيخ إبراهيم الغيث، والذي أوضح للصحف بأنه أصدر قراراً بمنع مطاردة أي مخالف أو مشتبه به، وقام أكثر من 5000 عضو بالتوقيع على قرار المنع، ومع هذا كله فهناك بعض من أعضاء الهيئة ما زال يصر على عدم إطاعة الأوامر. فهل المطاردة تندرج تحت مصطلح الأمر بالمعروف؟ «المعروف» هو اسم لكل فعل يُعرف حُسْنُه بالعقل أو الشرع، وهو ضد المنكر. فالمعروف ما تعارف الناس عليه عقلاً أنه جيد، وما أقره الشرع أنه جيد. ولكن حين يؤدي الأمر بالمعروف إلى إزهاق الأرواح البريئة، فهذا والله منكر في حد ذاته. لذلك قال العلماء يُشترط في النهي عن المنكر ألا يسبب هذا الإنكار أنكر منه، أو ألا يسبب هذا الإنكار وقوع ما هو أنكر، فإذا كان إنكاره لهذا المنكر يخشى منه منكر أكبر فيجب تجنب ذلك حتى لا يقع الأكبر. فالمقصود أنه يتحرى في إنكار المنكر من أن يترتب عليه زوال المنكر وعدم حصول ما هو أنكر منه. ولا بد من رعاية حصول المصلحة وزوال المضرة، فإن المقصود من إنكار المنكر زوال الشر وحصول الخير، وإن من ثوابت الشرع حفظ الأرواح والأنفس التي هي من الضروريات الخمس قبل الدفاع عن الفضيلة. * باحث في الشؤون الإسلامية.