فجر يوم 9 - 7 - 2012 كان المواطن عبدالرحمن بن أحمد الغامدي خارجاً مع زوجته وأولاده من حديقة الشكران بمحافظة بلجرشي حين سمع أحد رجال الهيئة الموجودين على بوابة المتنزه صوت المسجل مرتفعاً من سيارته، فأمره بالتوقف، إلا أنه لم يمتثل للأمر، فانطلقت سيارة دورية هيئة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر لتطارد سيارة تلك العائلة، أسفرت عن وفاة المواطن الغامدي، وإصابة زوجته وطفليهما بجروح بالغة، وقد أمر أمير منطقة الباحة الأمير مشاري بن سعود بتوقيف المتسببين في الحادثة. قضية مطاردة سيارات الهيئة للمواطنين، وإزهاق الأرواح البريئة من دون وجه حق ليست هي الأولى، فعلى مدى السنوات الماضية تكررت مثل تلك الحوادث في عموم مناطق المملكة. ففي تاريخ 8 - 9 - 1427 نشرت بعض الصحف المحلية في المملكة أن سيارة تابعة لهيئة عرعر طاردت سيارة كان يستقلها شاب وفتاة على طريق جديدة - عرعر؛ فنتج عن ذلك حادثة مؤسفة، ما تسبب في وفاة الفتاة وإصابة الشاب المرافق لها بكسور وجروح بليغة. وأكدت محاضر جلسات الجهات الأمنية، وشهادة الشهود، وتقارير المستشفى، وجود رجال الهيئة قبل الحادثة، وفي أثنائه، وفي المستشفى الذي تم نقلهما إليه. وفي 26 - 2 - 1428 نشرت الصحف المحلية أيضاً أن سيارة الهيئة طاردت شاباً يرافق فتاة في السيارة في مدينة الطائف؛ وبسبب هلع الشاب عكس السير، ما أدى إلى حادثة مرورية أصيب فيها سائق كان في الخط الآخر بكسور. وبتاريخ 2 - 3 - 1429 نشرت الصحف المحلية أيضاً أن شاباً وفتاة لقيا مصرعهما نتيجة مطاردة رجال الهيئة لهما على طريق المدينة - تبوك، ما تسبب في اصطدام سيارتهما بشاحنة كانت تسير في الاتجاه المعاكس. وأسفر الحادثة عن حريق سيارة الشاب، ما أدى إلى تفحم جثة الشاب بالكامل، فيما انفصل رأس الفتاة عن جسدها واحترقت أيضاً. وقد أكد ستة شهود واقعة المطاردة؛ كما أكدت الأدلة الجنائية وجود احتكاك بين السيارتين. وفي 23 - 3 - 1429 نشرت بعض الصحف المحلية أيضاً أن شابين وسيدة وابنتها، التي كانت مخطوبة لأحدهما، طاردتهم سيارة الهيئة، وقد لقي الشابان مصرعهما على طريق الخليل في المدينةالمنورة، نتيجة لمطاردة سيارة الهيئة للسيارة التي كانوا يستقلونها. وشهد الشهود بأن المتسبب في الحادثة كانت سيارة الهيئة وأعطوا أوصافها. واعترف أحد موظفي الهيئة أمام المحققين بأنه قد حصلت مطاردة فعلية منهم. وأفاد أحد الشهود بأنه طلب من رجال الهيئة الذين كانوا حاضرين، مساعدته في نقل المصابين، فرفضوا ذلك. وفي 28 - 8 - 2007 نشرت الصحف المحلية أن عضوين من هيئة جازان طاردا مواطناً وزوجته، بعلة حال اشتباه اختلاء، ما أدى إلى حادثة اصطدام. ومنعت الهيئة المسعفين من الهلال الأحمر من مساعدة الزوجة. وعلل مدير فرع الهيئة، آنذاك، تصرف موظفيه بأنهم فعلوا ذلك خوفاً أن تستبدل تلك المرأة بامرأة أخرى في المستشفى. على رغم فداحة الأفعال والتصرفات التي قام بها موظفون في «الهيئة»، إلا أن جميعها كانت تعلل من الرئاسة، وقتئذ، بأنها ليست إلا تصرفات فردية، وتجاوزات بسيطة. وكل ما قامت به الرئاسة، آنذاك، أنها نظمت لموظفيها الميدانيين دورات تدريبية خاصة، عن كيفية التعامل مع الناس؛ دورات لا تغني ولا تسمن من جوع، وكان الأحرى أن تردع من قام بتلك الأعمال، التي لا تعبر عن سماحة الإسلام في شيء. ثم صدر بتاريخ 7 - 7 - 1429 تعميم مشدد من رئاسة هيئة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر بمنع أعضاء الهيئة الميدانيين من المطاردة. وعلى رغم ذلك، وفي يوم الأحد 5 - 10 - 1429 نشرت الصحف أنه حدثت مطاردة عنيفة بين هيئة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر بسيارتهم الجيب لسيارة كانت تقل شاباً وفتاة في مدينة الرياض، ما أدى إلى حادثة مرورية مروعة، بارتطام سيارة الشاب بعدد من السيارات، متجاهلين توجيه رئاسة الهيئة لهم، إضافة إلى الجهات الرسمية الأخرى بعدم مطاردة السيارات، وهو المنع الذي أكده نائب رئيس الهيئة الشيخ إبراهيم الهويمل، آنذاك، والذي وعد بالتحقيق في الحادثة ومعاقبة المخالفين. وانتهت المطاردة بإجبار الشاب على التوقف بعدما ارتطمت سيارته اللكزس 400 بسور أرض فضاء في حي التعاون، سبقها اصطدامه بأربع سيارات، وقيادة السيارة على الجنط لعشرات الأمتار، حتى خرج الشرر منها، كما أكد شهود عيان، لينجح رجال الهيئة في القبض على الفتاة، وترك الشاب في سيارته بعد ضربه ضرباً مبرحاً من عضوين في الهيئة. صدرت توجيهات من القيادة العليا في الدولة، بمنع المطاردة من الجهات الأمنية والهيئة. كما صدر أمر من الرئيس المباشر لهيئة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، آنذاك، الشيخ إبراهيم الغيث، الذي أوضح للصحف بأنه أصدر قراراً بمنع مطاردة أي مخالف أو مشتبه به. وقام أكثر من 5000 عضو بالتوقيع على قرار المنع. ومع هذا كله فهناك بعض من أعضاء الهيئة لا يزال يُصر على عدم إطاعة الأوامر. فهل المطاردة تندرج تحت مصطلح الأمر بالمعروف؟ إن «المعروف» هو اسم لكل فعل يُعرف حُسْنُه بالعقل أو الشرع، وهو ضد المنكر، فالمعروف ما تعارف الناس عليه عقلاً أنه جيد، وما أقره الشرع أنه جيد. ولكن حين يؤدي الأمر بالمعروف إلى إزهاق الأرواح البريئة، فهذا والله منكر في حد ذاته. لذلك قال العلماء: يُشترط في النهي عن المنكر ألا يسبب هذا الإنكار أنكر منه، أو ألا يسبب هذا الإنكار وقوع ما هو أنكر، فإذا كان إنكاره لهذا المنكر يُخشى منه منكر أكبر فيجب تجنب ذلك حتى لا يقع الأكبر. فالمقصود أنه يتحرى في إنكار المنكر من أن يترتب عليه زوال المنكر وعدم حصول ما هو أنكر منه. ولابد من رعاية حصول المصلحة وزوال المضرة، فإن المقصود من إنكار المنكر زوال الشر وحصول الخير. من ثوابت الشرع حفظ الأرواح والأنفس، التي هي من الضروريات الخمس، قبل الدفاع عن الفضيلة. وإن رؤية أعضاء الهيئة سيارة تحوي أسرة وأطفالاً، ثم الإصرار على ملاحقة تلك السيارة، والتسبب في تيتم أطفال؛ فهذا أمر لا يمكن التغاضي عنه. ويجب على أولياء الأمور في هذا البلد الكريم اتخاذ أشد العقوبات في حقهم، لكي يكونوا عبرة لغيرهم. * باحث في الشؤون الدينية.