في تركيا هذه الأيام يعتمد المسلمون رؤية الهلال على ما تطبعه رئاسة الشؤون الدينية عن التقاويم الفلكية، وإن كان بعض المتنورين - ممن يحرصون على الاقتداء بالسنّة النبوية - يلتقطون اخبار ظهور هلال الشهر من الإذاعات العربية، ويتابعون بعض البلاد العربية في بداية الشهر وانتهائه، فيحدث احياناً ان يبدأ بعض الناس الصوم قبل غيرهم بيوم. وتطلق المدفعية طلقات عدة لإعلان دخول الشهر، فيطوف الصغار بعد المغرب على الدور ويطلبون البشارة، فيعطون الحلوى التي تسمى حلوى رمضان «رمضان شكرى». وتنشط حركة الأسواق في هذا الشهر، ويقبل الناس على شراء المؤن للمنازل وما يحل بها من أضياف. ويجتهد أئمة المساجد في وعظ الناس، وتوعيتهم وتبصيرهم بأمور دينهم، ويلقون قبولاً حسناً من المسلمين، وما زالت باقية عادة قراءة القرآن بالمقابلة في المساجد، حيث يجتمع في مسجد الحي حفاظ القرآن بعد السحور وقبيل صلاة الفجر، ويتناوبون قراءة الجزء المقرر عن ظهر قلب. وتمتلئ المساجد بالمصلّين الذين يؤدون الصلوات الخمس، ويجتهدون في صلاة التراويح التي تصلّى جماعة - عشرون ركعة - كل أربع ركعات بتسليمة، ولا تكاد تجد لك مكاناً في هذه المساجد على ضخامتها ورحابتها، وبخاصة في ليلة السابع والعشرين من رمضان التي يلتمسون فيها ليلة القدر. وتأخذ برامج الإذاعة والتلفاز وقتاً من الناس في تركيا، فيتابعون البرامج الدينية التي تزداد في هذا الشهر، وتكثر من إذاعة قراءات القرآن، ويمتد إرسالها الى قرب وقت السحور، وتجرى المقابلات مع العلماء والوعاظ لتبصير الناس. وتغطي المسلسلات التاريخية حيزاً كبيراً من البرامج كما تهتم الصحف بنشر مقالات دينية وتثقيفية في صفحات خاصة برمضان. اشتهر المطعم التركي منذ القدم باختلاف ألوان الطعام، ولذته، وحلاوة مذاق الفاكهة وما يصنع منها من مشروبات. والمرأة التركية تجتهد في الإعداد لمائدة إفطار رمضان من قبل حلول الشهر المبارك، بتخزين المأكولات الموسمية بتجفيفها في موسمها ليتم طبخها في رمضان، وبخاصة في فصل الشتاء حيث تقل المزروعات لبرودة الجو في بعض المناطق. وتنتهي مائدة الإفطار في الغالب بتناول أنواع الحلوى والفطائر المصنوعة من السكر والدقيق والحليب وغيرها، مثل «رمضان طاتليسي» والبقلاوة بأنواعها - التي يسرف الترك في تناولها - والكنافة والقطايف، والمهلبية والكولاش الذي هاجر الى بيروت ليصبح احد معالم رمضان فيها، أو فاكهة الموسم من بطيخ وشمام وكرز ومشمش وخوخ وتين وعنب. وأما وجبة السحور فهي تختلف في تنوعها عن مائدة الإفطار ويكثرون من شرب الشاي فيه للتغلب على العطش. وتصنع في رمضان انواع خاصة من الخبز يسمى «بيدا Pide» وهو خبز صغير مستدير ينثر عليه حب السمسم، ويكون محشواً باللحم وكذلك يهتمون بأكلة «اللحم بالعجين» وغيرها من المعجنات. ويكون توديع شهر رمضان ايضاً حافلاً بالدعوات والذكر والإكثار منهما، والذهاب الى الأسواق لشراء مستلزمات العيد من الحلوى والأطعمة، والملابس الجديدة. وفي صباح العيد يخرجون للصلاة مصطحبين معهم أطفالهم في ملابسهم الجديدة، وبعد الصلاة يزفون الى بعضهم بعضاً التهاني بقضاء فرض الصوم واستقبال عيدهم الذي يسمونه «شكر بايرمي»، اي عيد الحلوى، لكثرة ما يقدم فيه من ضروب الحلوى اللذيذة، وتبدو فرحة العيد على الكبير والصغير، وتجتمع الأسر والأقارب ويتزاورون. ويذهب البعض الى المتنزهات والملاهي للتروح فيها. صورة من إسلامبول كانت إسلامبول أرض الإسلام أو اسطنبول او استامبول كما ينطقها العامة من الناس عاصمة العالم الإسلامي الى أوائل هذا القرن وكانت تعرف قبل فتحها بالقسطنطينية وقد راود حلم فتحها الكثير من الحكام المسلمين ولكنها استعصت عليهم وأبى محمد الفاتح إلا ان يفتحها ففتحها فكان هو نعم القائد وجيشه نعم الجيش الذي بشر به رسول الله (صلى الله عليه وسلم). وفتحها الذي بشر به الرسول نستطيع ان ندرجه ضمن مادة في التاريخ الإسلامي نسميها المستقبل في التاريخ الإسلامي، هذا المستقبل حددته احاديث رسول الله (صلى الله عليه وسلم)، وقد تحقق منها الكثير. والإسلام في اسطنبول نراه بوضوح في مآذنها الرشيقة التي ترتفع الى السماء مبشرة بفتح أوروبا، فقد كانت اسلامبول القاعدة التي انطلق منها الإسلام الى شرق أوروبا، فأسس فيها مجتمعات إسلامية لا تزال موجودة الى يومنا هذا في ألبانيا والبوسنة والهرسك وبلغاريا وغيرها من البلاد. ولرمضان في اسطنبول طابع خاص حينما كانت عاصمة للدولة العثمانية، وارتبط هذا الطابع بسلاطين الدولة العثمانية، ففي القصر السلطاني وقتذاك كان يقرأ القرآن الكريم ويفسر بحضور السلطان حيث يحضر عشرة من مشاهير المدرسين ومعهم جملة من الطلبة قبيل العصر وبعد الصلاة يجلس كل واحد منهم في مجلسه الخاصة ويجلس الجميع على شكل هلال به اريكة السلطان فيشرع الذي عليه الدور في الدرس من هؤلاء العشرة فيقرأ التفسير ويسأله الطلبة الحاضرون عما يعن لهم من الأسئلة في الآية التي يفسرها وهو يجيب وهكذا حتى يختتم الدرس. ثم يتبعه في اليوم التالي أو الذي بعده على ما تقتضيه الأحوال حتى تتم عدة شهر رمضان في سماع تلك الدروس، وفي آخر شهر رمضان ينعم السلطان على الأساتذة والطلبة بهبات مالية. وقد اعتاد اهل اسطنبول اتخاذ صحن مسجد بايزيد في رمضان سوقاً تعرض فيه البضائع على اختلافها فيبدأون بإعداد هذا السوق منذ منتصف شهر شعبان، فلا يأتي رمضان إلا والصحن معرض عظيم يحرم على النساء ارتياده. وتضاء سماء اسطنبول كلها في رمضان بإضاءة تشكل من الكلمات أو الجمل المركبة وكذا ما بين المآذن الموجودة في كل مسجد بعبارات بخط جميل تقرأ «مرحبا رمضان» وغيرها من الشعارات الجميلة التي تضفي على المدينة جواً خاصاً في ذلك الشهر. وإلى وقت قريب كانت مآذن المدينة تستعمل هذا الأسلوب في زخرفتها في ذلك الشهر إلا انه بعد حركة أتاتورك تحولت الكتابة من الحروف العربية الى الحروف اللاتينية. ويحتفل اهل اسطنبول بليلة 27 رمضان احتفالاً خاصاً يحضره السلطان ويصلي في المسجد المحمدي التراويح مع اهل المدينة وتضاء المدينة في تلك الليلة ويكثر فيها الفرح والابتهاج، وفي جامع آيا صوفيا يجتمع الناس في تلك الليلة ويقرأون القرآن. وقد اعتاد اهل المدينة إرسال الطعام الى بيوت الفقراء بصفة دائمة أو تبادل الوجبات بين الأقارب وذلك لخلق جو من التآلف والتكافل الاجتماعي فضلاً عن قيام الموسرين من اهل المدينة بالتكفل بكل ما يحتاجه اليتامى في عيد الفطر من ملبس ومال لتعويضهم عن فقدان آبائهم كما نصت حجج الأوقاف. تلك كانت صورة رمضانية لمدينة إسلامية افتقدناها في ظل علمنة تركية ولكن ما زال القليل منها من التآلف والتكافل بين أهلها باقياً الى اليوم.