تسبّب الانخفاض التاريخي للفائدة على اليورو، الذي بدأ قبل أكثر من عامين والمرشح لأن يستمر طويلاً وفق تصريحات كبار المسؤولين في البنك المركزي الأوروبي، بخسائر كبيرة جداً للمستهلك الألماني. والمعروف أن البنك خفّض الفائدة على اليورو، التي كانت نحو ثلاثة أو أربعة في المئة قبل بضع سنوات، تدريجاً إلى 0.75 في المئة حتى نيسان (أبريل) الماضي، قبل أن يخفضها إلى 0.5 في المئة. وأظهرت دراسات أجراها مصرف «بوست بنك» الألماني أن إيداعات الألمان ستخسر هذه السنة نحو 14 بليون يورو من قيمتها الأساس، ما يعني أن السنوات المقبلة لن تشهد تغييراً ملموساً في سياسة البنك المركزي الأوروبي النقدية، وستلتهم المزيد من قيمة الإيداعات بفعل توقع استمرار الفائدة المنخفضة جداً وارتفاع التضخم. وتوقع المصرف أن ترتفع الخسارة العام المقبل إلى 21 بليون يورو، كما توقع كبير خبرائه ماركو بارغل أن «يسرّع ارتفاع التضخم مع بقاء الفائدة منخفضة تدهور قيمة الإيداعات في المصارف». وإزاء هذا الواقع السلبي، نصحت جمعيات حماية المستهلك بتوزيع الإيداعات للحصول على فوائد أعلى، على رغم المحاذير المرتبطة بذلك. ودعا الخبير المالي نيلز ناوهاوزه المستهلكين إلى عدم الاكتفاء بحسابات التوفير اليومي والسنوي أو لبضع سنوات، بل إلى الاستثمار في مجال العقارات وصناديقها أيضاً، وشراء أسهم في دول عديدة بهدف تحقيق فوائد أعلى، أو الحفاظ على قيمة إيداعاتهم على الأقل لكي لا تتآكل نتيجة التضخم. وارتفع معدل التضخم في ألمانيا خلال تموز (يوليو) الماضي إلى 1.9 في المئة، بحسب التقديرات الأولية للمكتب الاتحادي للإحصاء، وهو أعلى ارتفاع منذ أكثر من سنة. وعلّق وزير المال الألماني فولفغانغ شويبله على انخفاض الفائدة بالقول إنه «مقتنع بأن البنك المركزي الأوروبي سيعاود رفعها في حال انتعش الاقتصاد الأوروبي»، واصفاً انخفاض الفائدة على اليورو بأنه «تعبير عن قلق أسواق المال من تفاعلات الأزمة المالية في القارة». ولكن رئيس البنك المركزي الأوروبي ماريو دراغي كان شدد مطلع الشهر الجاري على أن الفائدة «ستبقى لفترة طويلة على مستواها الحالي أو أدنى منها»، ما شكل نبأ غير سار للمودعين، ويُظهر أن الخبراء ما زالوا منقسمين حول ما إذا كانت الأزمة المالية في منطقة اليورو وصلت إلى نهايتها أم لا». والمستفيد الأول في ألمانيا من خفض الفائدة هي الدولة، إذ لفت «معهد الاقتصاد الدولي الألماني كيل» (إي في إف) في دراسة إلى أن ألمانيا ستتمكن حتى منتصف العام المقبل، على أبعد تقدير، من توفير 100 بليون يورو على خزينة الدولة بفضل الفوائد المنخفضة جداً التي تدفعها على سنداتها التي تعرضها دورياً للبيع للحصول على قروض من سوق المال الألمانية والأسواق الدولية. وأوضح الخبير في الشؤون المالية للدولة في معهد «كيل» ينس بويزن هوغريفه، تعقيباً على نتائج الدراسة، أن «الفوائد على السندات الألمانية المباعة بدأت تنخفض منذ أواخر عام 2008»، مضيفاً أن «الانخفاض استمر في الأشهر اللاحقة في صورة قياسية غير مسبوقة إلى حد أن بعض السندات والأوراق المالية الألمانية القصيرة الأمد كانت تُشترى من قبل المستثمرين من دون المطالبة بأي ضريبة عليها، ما يعني إراحة برلين من تحمل عبء مالي ثقيل». وأضاف أن «ما وفّرته الحكومة الألمانية من دفع فوائد منذ العام 2009 يبلغ 80 بليون يورو، ويمكن أن يرتفع الرقم نهاية السنة أو منتصف العام المقبل إلى 100 بليون يورو». يُذكر أن قيمة القروض التي تحصل عليها ألمانيا سنوياً مقابل السندات والأوراق المالية التي تعرضها للبيع تراوح ما بين 250 و300 بليون يورو، يُستخدم جزء كبير منها لتسديد الفوائد المستحقة على الدولة وتمويل مشاريع جديدة.