رأى الخبير الاقتصادي الألماني سيمون يونكر، أن المدماك الأساس للاقتصاد الألماني في الظرف الحالي بالتالي للنمو في ألمانيا، «هو استمرار الوضع الجيد في سوق العمل». واعتبر أن ازدياد الوظائف وإقرار زيادات عالية على الأجور على رغم التقشف، «يعزز الاستهلاك الخاص الذي يؤمن حالياً رسوماً وضرائب مرتفعة لخزائن الدولة». وتوقع يونكر، الخبير في معهد البحوث الاقتصادية «دي إي في» في حديث إلى «الحياة» في برلين، حول حقيقة الوضع الاقتصادي في ألمانيا، أن «ترتفع قيمة الصادرات الألمانية إلى الخارج في المرحلة المقبلة»، أي في النصف الثاني من العام الحالي. ولفت إلى أن البيانات الأخيرة للشركات الألمانية «تشير «إلى استمرار ازدياد الطلب على الصادرات الألمانية من جانب عدد كبير من الدول، خصوصاً تلك الناشئة، حتى ولو لن يسجل النمو في الطلب على الإنتاج الألماني الارتفاعات التي حققها في السنوات السابقة». وأوضح أن المعهد «لا يستبعد تحقيق النمو في دول منطقة اليورو المتعثرة بعض التحسن في الفترة المقبلة»، ما ينعكس إيجاباً على هذه الدول من الناحية المالية، ويمكّنها من رفع حجم وارداتها مجدداً من الشركات الألمانية. ويُذكر أن نسبة الصادرات الألمانية إلى الدول الأوروبية كانت تشكل نسبة 60 في المئة من صادراتها إلى العالم، لكن النسبة انخفضت إلى نحو 40 في المئة بعد أزمة المال التي اندلعت في منطقة اليورو في خريف عام 2008. وتمكّنت الشركات الألمانية من سد هذا النقص حتى الآن، بعد توسيع صادراتها إلى الدول الصاعدة خصوصاً إلى الصين والولايات المتحدة، لكنها غير قادرة على المدى البعيد على الاستغناء عن سوقها الأوروبية الأساسية. واعتبر يونكر، أن في حال استمر برنامج البنك المركزي الأوروبي القاضي بشراء سندات الدول المتعثرة، في تحقيق هدفه بخفض الفوائد على القروض التي تحتاج إليها الدول المتعثرة من الأسواق المالية، فإن ذلك «سيمكّن الشركات الألمانية من الاستفادة أكثر من شروط التمويل الجيدة الممنوحة، والعمل على توسيع استثماراتها في النصف الثاني من هذه السنة». لكن حذّر من «تراجع النشاط الاستثماري تحديداً، في حال اشتعال الأزمة في هذه الدول مجدداً، ما سيترك بصماته السلبية على الاقتصاد الألماني ذاته». وعن قدرة الاقتصاد الألماني الذي يُعتبر أكبر اقتصاد في أوروبا على إخراج الاقتصادات المتعثرة من أزمتها، أعلن الخبير الألماني، أن «واردات ألمانيا المتنامية من الخارج وتحديداً من الدول الأوروبية المتعثرة، ستدعم اقتصادات هذه الدول». ورأى أن «الانتعاش الطفيف المتوقع للاقتصاد العالمي سيساعد على زيادة الصادرات الأوروبية عموماً ومن الدول المتعثرة خصوصاً، على رغم أن ذلك لن يكون كافياً لوحده». وشدد على أن المطلوب بقوة «إرساء إصلاحات بنيوية في الدول الأوروبية التي تعاني من الأزمة، تسمح لها في ظل شروط مناسبة من زيادة القدرة التنافسية لأسعار بضائعها في الأسواق الدولية». وإذا كانت الأزمة المالية في أوروبا تشكل محاذير على ألمانيا وتهدد وضعها المالي بسبب المساعدات التي تقدمها إلى «صندوق الإنقاذ الأوروبي»، حيث تتحمل نسبة 27 في المئة من المبالغ المقررة فيه لأنها أكبر بلد واقتصاد أوروبيين، أكد الخبير في معهد «كيل إيكونوميست» كارستن باتريك، وجود «استفادة كبيرة للاقتصاد الألماني من الأزمة إلى جانب المحاذير الفعلية». وأوضح ل «الحياة»، أن ألمانيا «تجذب رؤوس الأموال إليها من دول العالم، بعدما أثبتت صمودها أمام الأزمات». ولاحظ أن الاقتصاد الألماني «ينتعش وتزدهر أوضاع سكانه المالية في شكل لا سابق له، في وقت تغرق دول جنوب أوروبا في الركود الاقتصادي». وقال «بفعل أزمة اليورو وقرار البنك المركزي الأوروبي بتأمين السيولة اللازمة للمصارف بفائدة متدنية، وخفض فائدة اليورو إلى مستوى تاريخي هو 0.5 في المئة، انخفضت الفوائد المصرفية على القروض إلى حدّ كبير، ما استفاد منه القطاعان العام والخاص في ألمانيا». ولفت إلى أن فوائد القروض على السندات الحكومية الألمانية «انخفضت إلى أدنى حدّ على صعيد القطاع العام ، بل أن بعض القروض أعطيت إلى الدولة الألمانية من دون فوائد حتى بسبب الثقة العالية فيها من الدائنين». وهذا ما أكدته أيضاً دراسة صادرة أخيراً عن معهد الاقتصاد الدولي «إي في أف» أشارت فيها إلى أن الدولة «وفّرت حتى الآن دفع فوائد بقيمة 100 بليون يورو». وعلى صعيد القطاع الخاص، استفادت المصارف الألمانية في شكل لا سابق له أيضاً من السيولة المالية المؤمنة بفوائد مخفّضة جداً، وسمحت لها بعرض قروض على الشركات والمواطنين بفوائد أعلى بل أقل من السابق، بحيث أن هامش الربح أعلى بكثير من الفترة السابقة على الأزمة. أما مصارف الدول المتعثرة، فلا تزال عاجزة عن تحقيق ذلك، بسبب توقف عجلة الإنتاج وتراجع القوة الشرائية للسكان، والقدرة والرغبة في الحصول على قروض.