يقلق النمو الاقتصادي القياسي الذي حققته ألمانيا خلال الربع الثاني من السنة المسؤولين الماليين في منطقة اليورو، خصوصاً في المصرف الأوروبي المركزي. ففيما نما أكبر اقتصاد في المنطقة بأسرع وتيرة له منذ إعادة توحيد ألمانيا عام 1990، لا تزال بلدان جنوب المنطقة تعاني لتحقيق التعافي من أزمة الديون السيادية. لقد تعمق الركود في اليونان ونما الاقتصاد في إسبانيا بأقل من توقعات الخبراء، وعاد المستثمرون إلى متابعة حالات العجز التي تصيب موازنات هذه الدول. ويرى خبراء أن المصرف المركزي الأوروبي، لو أن نطاق صلاحياته يقتصر على ألمانيا، كان سيرفع أسعار الفائدة سريعاً، لكن خطوة من هذا القبيل ستضر باقتصادات دول جنوب منطقة اليورو، خصوصاً اليونان وإسبانيا وإيطاليا. ويحاول رئيس المصرف جان كلود تريشيه اتخاذ خطوات تمنع الاقتصاد الألماني من النمو المفرط مع إبقاء الديون السيادية لمنطقة اليورو تحت السيطرة. وفي مؤشر على تجدد شكوك المستثمرين في قدرة أكثر دول المنطقة مديونية على الوفاء بديونها، بلغ العائد الإضافي الذي يطلبه هؤلاء مقارنة بعائد السندات الألمانية القياسية أعلى مستوى له منذ 7 أيار (مايو) الماضي. وتراجعت أسعار الأسهم الأوروبية بعد ارتفاع وجيز تلا صدور أرقام النمو الألماني، وارتفع العائد على السندات اليونانية التي تستحق بعد 10 سنوات 10 نقاط أساس إلى 807 نقاط. وفي إرلندا، حيث يتخوف المستثمرون من تجاوز تكلفة إنقاذ المصارف المتعثرة التوقعات، صعد العائد خمس نقاط أساس إلى 293 نقطة، وهو أعلى مستوى منذ 29 حزيران (يونيو) الماضي. يُذكر أن اقتصاد منطقة اليورو نما بنسبة واحد في المئة في الربع الثاني من السنة، لكن اقتصاد ألمانيا، الذي يساوي ربع اقتصاد المنطقة، شكّل ثلثي هذا النمو إذ نما بنسبة 2.2 في المئة. وفي إسبانيا، حيث تجاهد الحكومة لتطبيق تدابير التقشف الأشد في ثلاثة عقود، لم ينمُ الاقتصاد بأكثر من 0.2 في المئة، مقارنة بتوقع الخبراء نسبة تساوي 0.3 في المئة. وتقلص اقتصاد اليونان بنسبة 1.5 في المئة. وتمثّل الفوارق معضلة أمام تريشيه إذ يحاول تحديد الوقت المناسب لوقف التدابير الاستثنائية ورفع أسعار الفائدة. فأي خطوة متعجلة في هذا الإطار كفيلة بخنق الائتمان وإقلاق المستثمرين، فيما يمكن للتباطؤ أن يطلق العنان للتضخم. لكن الوقت لا يزال يلعب لمصلحة تريشيه. فالأسعار في منطقة اليورو لم ترتفع بأكثر من 1.7 في المئة، ما جعله يؤكد أن التضخم لا يزال تحت السيطرة، كما شدد عضو مجلس الحكام في المصرف المركزي الأوروبي وحاكم المصرف المركزي في قبرص أثناسيوس أورفانيدس على أن تقلبات أسعار الطاقة لا تقلقه. بيد أن النظير البلجيكي لأورفانيدس، غي كوادن، دعا المصرف المركزي الأوروبي إلى التنبه إلى أن أسعار الطاقة قفزت 11 في المئة منذ ذروة أزمة الديون السيادية في منطقة اليورو في أيار. وعبّر الألماني أكسيل فيبر عن امتعاضه من بعض تدابير المصرف المركزي الأوروبي. ويرى خبراء أن تريشيه يملك وقتاً كافياً لاتخاذ القرار المناسب في الوقت المناسب، فضغوط التضخم لا تزال أضعف من أن تشكّل تهديداً كافياً، فيما لا يزال النمو الاقتصادي هذه السنة أقل من الإمكانات الفعلية لمنطقة اليورو. ويبدو النمو غير قوي في المنطقة ككل، فيما لا يزال التضخم الجوهري عند واحد في المئة. ويعمد المصرف المركزي الأوروبي الذي أبقى قبل أسبوعين السعر الرئيسي للفائدة عند مستوى منخفض قياسي يساوي واحداً في المئة، إلى تقليص مشترياته من السندات السيادية في منطقة اليورو التي بدأها في أيار، وسيدرس مسؤولوه الشهر المقبل سبل خفض القروض غير المحدودة التي يمنحنها المصرف لمصارف في المنطقة.