يظل موضوع الحرية الهاجس الدائم لفريق ثلاثي «تري فال». وعلى رغم عمق الجهد الذي يبذله والمسافات الطويلة التي يقطعها الفريق الألماني الشاب لتوجيه رسائله المفعمة بالحرية من الصين إلى روسيا وإسبانيا واليونان وقبرص على البحر المتوسط حتى مصر، «فإن الطريق ما زال طويلاً حتى ينضج الوعي بأهمية التخلص من الحياة الرتيبة التي نمضيها بين أشجار الضعف والخنوع والرضا، الوارف»، كما يقول سيباستيان فينه أحد أعضاء الفريق الذي يؤكد أن مشروعه الموسيقي «مختلف الأنماط التي تمتدّ على طول طريق الارتجال». ويرى فينه، عازف الدرامز في الفريق، أن موسيقى الجاز بكل ما تبثه من طاقة وتؤججه من مشاعر يمكنها أن تحقق ما تعجز عنه الحوارات، فتصل إلى الجميع مهما اختلفت انتماءاتهم الدينية والعقائدية أو حتى تناقضت اقتناعاتهم الثقافية والسياسية. يسمح ثلاثي «تري فال» لنفسه بالحرية المطلقة في الاشتغال على موسيقى الجاز، من دون الابتعاد من جذور أعضائه في موسيقى الهيب هوب والفانك والريغي. تتفجر كلمات الفريق الدائم الترحال، وهي رزينة ومكثّفة ومنطلقة، تختزن طاقة أمل كافية لإزاحة العبء الثقيل عن رموشنا الخانعة المستسلمة للقدر، وتبرز كلمة «حريّة» في أحيان كثيرة قوية مشاكسة تناطح فضاء الارتجال باحثة عن زوايا جديدة لاستكشاف نهج بديل للموسيقى العصرية. إضافة إلى سيباستيان فينه، يضم الفريق لوتس شتروين (تينور ساكسفون، باص كلارينيت)، وتيل شنايدر (بوساونه) الذي يرى أن ما يقدمونه هو رسالة فنية سامية لا تتوقف عند لغة ولا تعترف بالحدود. يقول: «نسعى إلى إنتاج موسيقى جيدة نعيش من خلالها شراكات وتعاوناً جديداً ومشوقاً، وأن تصل أعمالنا إلى فئات أخرى من الجمهور». عقب النجاح الكبير الذي حققته الفرقة العام الماضي في الإسكندرية، قدّمت مع عدد من الموسيقيين السكندريين (نور عاشور، أدهم الحبشي، مراد سكر، حمدون، فيروز قدال، شادي ناجي، بيتر ملاك، علاء القاضي، إيهاب لارس، أحمد شمس، خالد قدال، سيمو) حفلة في مركز الجزويت في المدينة، وأقامت مع الشباب التائق إلى الحرية حواراً موسيقياً مرتجلاً ومبدعاً، مزجت فيه بين موسيقى الإيقاع السريع Swing والانفعالات. عن هذه التجربة، يقول الفنان السكندري بيتر ملاك: «عشنا لحظات شيقة أخرجتنا من ذواتنا وعبرت بنا إلى عوالم أخرى خارج الحدود». وترى فيروز قدال أن الجاز هو الانفتاح بلا حدود على التراث الموسيقى العالمي شرقاً وغرباً، «من دون شعور بالتفوق أو الدونية». وعن موسيقى الجاز يقول شادي ناجي: «هي أسلوب حياة يُعلي قيمة الحرية أكثر من كونها إيقاعات وألحاناً وموسيقى». ويؤكد أن ثورات الربيع العربي كرست هذا النوع من الموسيقى ونشرته على نطاق واسع، شأنه في ذلك شأن الراب والهيب هوب. وأبدى الفريق الالماني سروره بالعدد الكبير من الشباب الذي حضر العرض وباستمتاع الجمهور. يقول سيباستيان فينه: «كنت أُلقي نظرة على المسرح بين حين وآخر، ومن الرائع أن نجد الانتباه والتركيز يعلوان الوجوه. على رغم ارتجالنا نحن والفريق السكندري، فإن الجمهور لم يفقد تركيزه لحظة».