وافقت وزارة الطاقة الأميركية منتصف الشهر الجاري، على منح رخص جديدة لتصدير الغاز المسال، نتيجة ازدياد إنتاج الغاز الصخري. وتؤكد رخص المنح من قبل وزارة الطاقة (الجهة الأميركية المسؤولة عن الموافقة على تصدير الغاز) عزم الولاياتالمتحدة ولوج سوق صادرات الغاز المسال في السنوات المقبلة. ومنحت الرخصة الأخيرة لميناء «دومنيون كوف بوينت» الواقع في ولاية ماريلاند، الحق بتصدير حوالى 5.4 مليون طن سنوياً من الغاز المسال على مدى عشرين سنة. كما وافقت في أوائل الشهر الجاري على منح حق التصدير لميناء «فريبورت» للغاز المسال في ولاية تكساس عبر شركة «توشيبا» اليابانية لمدة عشرين سنة أيضاً، واتفاقاً آخر لميناء «فريبورت» مع شركة «س كي» الكورية للمدة ذاتها. يشكل منح هذه الرخص مرحلة مهمة للولايات المتحدة، إذ بلغ التصدير المستقبلي الذي تم الاتفاق عليه حتى الآن حوالى 66 بليون متر مكعب من الغاز المسال سنوياً، ما يعني البدء فعلاً بتشييد المصانع والبنى التحتية اللازمة لهذه المشاريع الضخمة (مقارنة بطاقة قطر التصديرية للغاز المسال البالغة حوالى 77 بليون متر مكعب سنوياً)، ما يعني أيضاً، ولوج الولاياتالمتحدة بقوة في سوق تصدير الغاز المسال، أي أن الغاز الصخري سيدخل الأسواق العالمية في المستقبل المنظور، بعد الانتهاء من تشييد المشاريع في نهاية هذا العقد. كذلك، استلمت وزارة الطاقة 31 طلباً للترخيص بتصدير الغاز المسال بطاقة تصميمية سقفها 335 بليون متر مكعب سنوياً. ومن المتوقع أن تتأخر الموافقات على عدد كبير من هذه الطلبات، ومن ثم ينخفض الحجم المتوقع تصديره، نظراً إلى النقاش الدائر في الولاياتالمتحدة حول الآثار السلبية لتزايد الصادرات على الاقتصاد الأميركي و «الأمن الطاقوي» للبلاد. إذ إن مجموعات أميركية تحاول تقليص صادرات الغاز واستعماله كوقود مفضل في محطات الكهرباء بدلاً من الفحم الحجري أو «الفيول أويل» أو الطاقة النووية. كذلك، استخدام الغاز كلقيم لمصانع البتروكيماويات وغيرها. تشير المعلومات المتوافرة إلى احتمال أن يبلغ مجمل إنتاج الغاز الطبيعي في الولاياتالمتحدة حوالى 70 بليون قدم مكعبة يومياً أو حوالى 723 بليون متر مكعب خلال العام الحالي، توازي تقريباً معدل الاستهلاك لهذا العام والمقدر ب69.9 بليون قدم مكعبة يومياً. أي أن الولاياتالمتحدة تستطيع، مع الزيادة المتوقعة في إنتاج الغاز الصخري، أن تصبح دولة مصدرة للغاز في القريب العاجل. يعود السبب الرئيس في الإقبال الكثيف على الغاز الصخري، أولاً إلى محاولة الدول المستهلكة تنويع مصادر إمدادات الغاز، وهي سياسة متبعة في معظم الدول الاستهلاكية الكبرى للحفاظ على أمنها الطاقوي ولتقوية موقفها التفاوضي حول الأسعار. كما أن ميزة الغاز المسال الذي يشحن على الناقلات المختصة هو إمكان شحنه إلى مختلف أسواق العالم، من دون التقيد بسوق محددة، خلافاً لما هو الوضع مع تصدير الغاز عبر الأنابيب. وقد ازدهر فعلاً في السنوات الأخيرة إمكان بيع الغاز المسال في السوق الفورية بدلاً من العقود الطويلة الأجل التي تمتد أكثر من عقدين، ما يوفر إمكاناً أكبر لتنويع الأسواق. الأكيد أن الأمر الأهم في تقرير وجهة التصدير يعتمد على حاجة الدولة المستهلكة من الغاز، والكميات التي تحتاجها. لكن، في نهاية المطاف، يحدد سعر الغاز العامل الأهم. وهنا تأتي أهمية الغاز الصخري. هناك تفاوت كبير في أسعار الغاز بين منطقة وأخرى. وتشير معدلات الأسعار المعتمدة لعام 2012، إلى أن سعر الغاز في الولاياتالمتحدة في «هنري هب» سجل حوالى 2.74 دولار لكل مليون وحدة بريطانية، وفي هولندا في «تي تي إف هب» 9.34 دولار في العام ذاته، بينما كان معدل سعر الغاز الطبيعي الروسي المصدر عبر الأنابيب إلى ألمانيا حوالى 12.56 دولار، وإلى اليابان في 2012 حوالى 16.55 دولار. ومعظم إمدادات الغاز المصدرة إلى اليابان وبقية الدول الآسيوية مصدرها إما الخليج (بخاصة قطر، ثم الإمارات وسلطنة عمان واليمن) أو إندونيسيا والجزائر. كما بدأ يصل الغاز الطبيعي الروسي إلى الصين أخيراً عبر شبكة أنابيب طويلة. تعتمد سوق الغاز على أسعار إقليمية، لا عالمية كما هو الأمر مع النفط الخام. فانخفاضه في أميركا مثلاً سببه مقارنة السعر بالأسعار المماثلة للوقود هناك. أما في الدول الأوروبية، فيعتمد سعر الغاز على مقارنة لسلة من أسعار المنتجات البترولية. لكن في اليابان وبقية الدول الآسيوية، فيعتمد السعر على مقارنة مع أسعار النفط الخام التي يستوردها البلد المستهلك. من ثم، تدفع الدول الآسيوية أغلى الأسعار للغاز المسال. يحدث هذا الاختلاف الكبير في الأسعار ضجة كبيرة خلال هذه الفترة. إذ أن الدول المصدرة التقليدية تحاول أن تبقي على المعادلات السعرية المعتمدة ذاتها نظراً إلى الفروقات الكبيرة، ومحاولة منها للحفاظ على الأسس الاقتصادية التي شيدت على أساسها منشآتها الغازية الباهظة الثمن. والخلاف الكبير طبعاً هو مع صادرات الغاز الصخري من الولاياتالمتحدة. أحدثت صناعة الغاز والنفط الصخريين ثورة كبرى في صناعة البترول العالمية. ومن المتوقع أن تستفيد الدول المستهلكة من هذا الحدث المهم. وبالفعل، تحاول دول، بخاصة اليابان والصين والهند، تغيير المعادلة السعرية المعتمدة لاستيراد الغاز من خلال محادثات مطولة، وكذلك أوروبا. وتتبع الدول المنتجة سياسات مختلفة. فروسيا، مثلاً، أخذت تهدد وتتوعد، في حال تغيير المعادلات السعرية. بينما لجأت دول أخرى إلى الاستفادة من هذه الثورة البترولية الجديدة، من خلال مشاركة الشركات الوطنية في الاستثمار في صناعة الغاز الصخري وتجارته. * مستشار لدى نشرة «ميس» النفطية