شهدت تسعينات القرن الماضي وبدايات القرن الجديد اهتماماً ليبياً لافتاً بفن الخزف. واللافت أكثر أن هذا الاهتمام كان نسوياً، فقدمت خزافات ليبيات تجارب فنية مهمة في هذا المجال كان أبرزها أعمال الفنانة هادية قانه. تخرجت في كلية الفنون في طرابلس كثيرات وأقيم الكثير من المعارض لهذا الفن الذي صار نسوياً بامتياز. ولاقت تلك المعارض نجاحاً ملحوظاً، وراجت بعض تلك الاعمال، واقتنى بعض محبي الفن منها، خصوصاً من أوروبا. كان الليبيون، وتحديداً سكان المدن، قد عرفوا الخزف وصناعته ودخل بيوتهم قديماً. لم يكن فناً في البداية، بل مهنة يحترفها صناع متفرغون وتلبي حاجات الناس المعيشية... وما عثر عليه من فخار على شكل جرار بالاكاكوس في الجنوب الليبي يزيد عمره عن 10 آلاف سنة، يؤكد قِدم هذه الصناعة وتجذرها في ليبيا. ومنذ ذلك التاريخ تواصلت هذه الصناعة وفنونها ونمت عبر العصور، ويعتبر جبل نفوسه ومدينة غريان مركزين مهمين لها الآن. وصار الخزف المادة الأهم في تزيين البيوت منذ تدفق الأندلسيين النازحين الى الشمال الافريقي واستقرار الكثير منهم في المدن الليبية، خصوصاً طرابلس. وظل الاستعمال اليومي والانتاج الفني متلازمين في انتاج الخزف في ليبيا، ولم يحدث الانفصال الا أخيراً، حين اصبح الخزف يستخدم لإنتاج أعمال جمالية خالصة، تشبع حاجات البصر والروح إلى الجمال وتحمل رسائل ثقافية واجتماعية لا علاقة مباشرة لها بالاستخدام اليومي وأيضاً ليست من الصناعات التقليدية التي تنتج للسياح. حدث هذا الانفصال على أيدي الخزافات الليبيات، ومن بينهن ميسون علي التي درست الفنون التشكلية وتخصصت في الخزف لتواصل مع جيلها والجيل الذي سبقها رحلة الخزف الليبي كفن خالص ومهنة. لا تبتعد أعمال علي كثيراً عن اعمال الخزافات الليبيات الاخريات، فالمواضيع متقاربة وكذلك الأشكال، ليظل التميز الخاص بها كما بغيرها منهن، محاولة أن تختط أسلوبها الخاص. ويبدو عالم المرأة وعلاقتها بجسدها وبالآخرين الموضوع الأكثر وضوحاً في أعمال ميسون، بحيث تبدو مغامرات صعبة مع المادة الخام ومع الاشكال الحائرة بين تجريد الاشياء وتصويرها، بين احاسيس بالأشياء والكائنات وبين تصورات عنها تحاول أن تفرض نفسها على الجماد والاحاسيس. قد تكون مهمة الخزافات الليبيات، ومنهن ميسون علي، شاقة في التعبير عن احاسيس وتصورات المرأة للذات وللعالم، للأنوثة والذكوره، فكم من احاسيسهن سيجري التكتم عليها ولا تقال إلا همساً وبخوف. وكم من مفاهيم مختلفة ومناقضة للسائد تضغط عليهن ولا يتجرأن على البوح بها. وفي أعمال ميسون علي، كما في أعمال الفنانات الليبيات الأخريات، يبدو هذا الصراع طاغياً ومهيمناً، مانحاً أعمالهن درامية حادة على رغم خفوت ايقاعاتها والهدوء الظاهر على أسطحها كما في الحياة اليومية والعلاقات الاجتماعية، حيث التظاهر بالسكون والاستسلام وسط ضجيج مجتمع ذكوري! ولئن كانت تجربة ميسون علي وبقية الخزافات الليبيات حديثة، فإنها تشي بكل ما في ليبيا من مشكلات وعراقيل وعقبات تعترض طريق المرأة.