مضت القاهرة أمس باتجاه تقويض نشاط أحزاب الإسلام السياسي بعد أقل من ثلاثة أشهر من سقوط حكم جماعة «الإخوان المسلمين»، إذ أعلنت لجنة تعديل الدستور المعطل الاتفاق على إعادة العمل بمادة تحظر إنشاء الأحزاب على أساس ديني، ما أثار جدلاً واسعاً عما إذا كان سيرتب على ذلك حل الأحزاب التي كانت أشهرت عقب «ثورة يناير» أم سيتم الاكتفاء بمحاصرة نشاطها الذي يعتمد بالأساس على استخدام المساجد والشعارات الدينية والفتاوى. وكان الناطق باسم لجنة تعديل الدستور محمد سلماوي أعلن أمس أن لجنة نظام الحكم حسمت أمرها بالنص في الدستور على حظر قيام الأحزاب على أساس ديني، على أن يحدد القانون لاحقاً وضع الأحزاب ذات المرجعية الدينية الموجودة حالياً، موضحاً في مؤتمر صحافي أمس أن اللجنة «أقرت المادة 54 الخاصة بإنشاء الأحزاب السياسية، وحظرت قيامها أو ممارسة نشاطها على أساس ديني». وجاء نص المادة بعد تعديلها كالتالي: «للمواطنين حق تكوين الأحزاب السياسية بإخطار ينظمه القانون، ولا يجوز قيامها أو مباشرتها لنشاط سياسي قائم على نظام ديني، أو أن تقوم بنشاط سري أو التمييز بين المواطنين، ولا يجوز حلها إلا بحكم قضائي». غير أن مساعد رئيس حزب «النور» السلفي نادر بكار رفض حديث سلماوي، مكتفياً بالإشارة إلى أن هذه المادة «من ضمن المواد الخلافية التي اتفقنا مع رئيس اللجنة عمرو موسى على استمرار البحث في شأنها وألا يبت فيها قبل التوافق». وقال ل «الحياة» إن حزبه «يلتمس تعاوناً من باقي الأطراف داخل لجنة تعديل الدستور»، لافتاً إلى اجتماع جرى أول من أمس ضم رئيس «النور» يونس مخيون وموسى ومقرر لجنة نظام الحكم عمرو الشوبكي وممثلين عن الأزهر، «وبحثنا في كل المواد الخلافية، وسنستكمل هذه الجلسات الأسبوع المقبل». وأوضح الشوبكي ل «الحياة»، أن «النور» أبدى خلال الاجتماع تخوفه من كون النص على حظر إنشاء الأحزاب على أساس ديني يهدف إلى تضييق الخناق على الأحزاب ذات المرجعية الدينية. لكن الشوبكي سعى إلى التخفيف من حدة الأزمة التي قد تثيرها المادة، موضحاً أن هذه المادة «ليست لها علاقة بفكرة المرجعية، ولكن بفكرة القيام على أساس ديني لمنع التمييز». أما الخبير السياسي عضو «جبهة الإنقاذ الوطني» وحيد عبدالمجيد، فرأى أن «تعبير أساس ديني غامض، وبالتالي هذا النص لا يعني شيئاً على الأرض، وسيتوقف الأمر على المشرع (البرلمان) الذي يمكن أن يستند إلى هذا النص لإصدار قانون أو تعديل قانون تنظيم الأحزاب السياسية». وأوضح ل «الحياة» أن «القانون هو الذي سيحدد في المستقبل ما هي الأفعال التي إذا ارتكبها الحزب اعتُبر أن له أساساً دينياً. الأمر متوقف على المشرع وما إن كان سيتوسع في نطاق الأفعال أم يضيقها. هذه مسألة نسبية، لأن التعبيرات الغامضة تتوقف على تفسيرها». ولفت إلى أن «برنامج حزب النور مثله مثل حزب الحرية والعدالة (الذراع السياسية ل «الإخوان المسلمين») ليس في برامجه شيء ليعد حزباً دينياً. ومن الصعب أن يحظر المشرع اعتماد برنامج الحزب على الشريعة الإسلامية لأن الدستور ينص في الأساس على أن مرجعية الدولة مبادئ الشريعة، وبالتالي فمن حق أي حزب أن ينطلق من الشريعة». لكن عبدالمجيد توقع الاكتفاء في القانون المزمع تعديله بحظر «استخدام الشعارات الدينية في الدعاية للحزب أو استخدام دور العبادة في العملية السياسية، وهذان الأمران ليسا مقصورين أو موجهين بالأساس إلى الأحزاب ذات التوجهات الدينية وإنما جميع الأحزاب، فالحزب الوطني كان يستخدم المساجد والفتاوى والشيوخ للدعاية». وكان الناطق باسم لجنة الدستور أوضح في مؤتمر صحافي أن اللجان النوعية أقرت عدداً من المواد في اجتماعاتها، موضحاً أنه إضافة إلى النص على عدم جواز إنشاء الأحزاب على أساس ديني، «تم الاتفاق على حق المواطنين في تكوين الجمعيات والمؤسسات الأهلية بمجرد الإخطار، على أن تكون لها شخصية اعتبارية ولا يجوز حلها أو حل هيئاتها الإدارية إلا بحكم قضائي ويحظر قيام جمعيات ذات طابع عسكري أو شبه عسكري أو ذات طابع سياسي». كما تم الاتفاق على أن تكون «حرية إنشاء النقابات والتعاونيات والاتحادات مكفولة وتمارس نشاطها بحرية واستقلال ولا يجوز وقف نشاطها أو حل مجالس إدارتها إلا بحكم قضائي». غير أن سلماوي أكد أن الجدل في شأن مبدأ محاكمة المدنيين أمام المحاكم العسكرية «لم يحسم بعد»، موضحاً أنه «جرت مناقشات في هذا الشأن داخل اللجان النوعية مع مجموعة لا للمحاكمات العسكرية التي ترفض هذه المحاكمات بينما كان هناك رأي آخر مؤيد لها بضوابط معينة... مازلنا في مرحلة الاستماع إلى وجهات النظر». وعقد مجلس القضاء الأعلى أمس اجتماعاً مع رئيس لجنة تعديل الدستور في دار القضاء العالي، للاستماع إلى رؤية أعضاء المجلس في شأن الفصل الخاص بالسلطة القضائية في الدستور. وتعهد موسى «الحرص على استقلال السلطة القضائية والحفاظ على استقرارها». وأفيد بأن الاجتماع تطرق إلى آلية شغل منصب النائب العام واختياره من بين نواب رئيس محكمة النقض ورؤساء محاكم الاستئناف والنواب العموم المساعدين، وأن يكون الاختيار بموافقة مجلس القضاء الأعلى، على أن ينظم قانون السلطة القضائية مدة شغل النائب العام لوظيفته، إضافة إلى ضرورة النص على سن تقاعد القضاة في الدستور وعدم جواز تعديل قانون السلطة القضائية إلا بموافقة مجلس القضاء الأعلى وثلثي أعضاء المجلس التشريعي. وقال نقيب المحامين ومقرر لجنة الحوار والتواصل المجتمعي سامح عاشور إن لجنة تعديل الدستور تسعى حالياً إلى إصدار إعلان دستوري يسمح بكتابة دستور جديد بدل إجراء تعديلات على الدستور المعطل. وعزا هذا المطلب خلال جلسة استماع عقدت أمس مع ممثلي الدعاة وشباب الأزهر وشباب الأقباط، إلى أن «المزاج الشعبي المصري يطالب بإعداد دستور جديد»، مشيراً إلى أن إعداد دستور جديد للبلاد «سيحمي (الوثيقة الجديدة) من أزمة الطعن على دستور 2012». في غضون ذلك، أكد مجلس الوزراء أمس «التزامه بتنفيذ حكم محكمة الأمور المستعجلة الصادر الإثنين الماضي الذي يقضي بحظر «الإخوان». ولفت إلى إنه «سيلتزم بما جاء في الحكم من تشكيل لجنة مستقلة من مجلس الوزراء لإدارة الأموال والعقارات والمنقولات المتحفظ عليها مالياً وإدارياً وقانونياً»، إلى حين صدور أحكام قضائية باتة في شأن ما نسب إلى الجماعة وأعضائها من اتهامات جنائية متعلقة بالأمن القومي. وأكد البيان أن الحكومة «ستَشْرَع في إجراءات التنفيذ فور تلقيها بصفة رسمية الصيغة التنفيذية لحكم محكمة الأمور المستعجلة». أما على صعيد استعداد الحكم للاستحقاقات التي ستتوالى خلال الشهور المقبلة، فأكد مساعد وزير الخارجية للشؤون القنصلية على العشيري أن وزير الخارجية نبيل فهمي أمر بتشكيل فريق عمل للبحث في ومناقشة استعدادات وزارة الخارجية للإشراف على استفتاء الدستور والانتخابات الرئاسية والبرلمانية المقبلة بالنسبة إلى المصريين في الخارج.