تبدو الكتابة للوطن في يوم الوطن وكأن الكتابة في بقية الأيام ليست كذلك، كل حرف يخط هو للوطن، حتى ذلك الذي يكتب خاطرة رومانسية يهذب بها مشاعر الناس ويقارب بها بين اثنين هما جزء من مجتمع يريد الحب والتسامح، يفعل للوطن شيئاً بحروفه الحالمة وخواطره البسيطة. كلنا نروم الأجمل والأفضل لبلدنا وكلنا اليوم نحتفي بالوحدة والاستقرار والأمن والأمان ونمتن لمن أسس هذا الكيان ولمن سار على دربه، ولكل فرد استحق أن يكون جزءاً من هذه الأرض وفرداً محباً من أهلها. الخروج من نمط «المناسبة» كتابياً يبدو غير مألوف حتى للكاتب، ونحن نحب الاحتفاء بوطننا كلنا يجب أن يفعل ذلك، ولكن ربما بات علينا الاحتفاء كتابياً والاتصال إعلامياً بهذا الحب بطريقة أكثر مهنية وجذب، خصوصاً أن المتلقي/ محب الوطن، يريدنا نحن من نملك نافذة للخطاب أن نعبر عنه هو، عن الحب بطريقته، وليس بالنسق الذي ربما كان مفيداً في مراحل اتصالية وثقافية واجتماعية معينة لكنه بات اليوم لا يمسك القارئ والمتلقي من تلابيبه. ليست الكتابة فقط، بل حتى الإنتاج الثقافي والفني إجمالاً لم يعد جذاباً كثيراً، فالمؤسسات الإعلامية الرسمية تخشى على وقارها والمؤسسات الإعلامية الخاصة تخشى على أرباحها، وبين المنطقتين يذهب الشاب والمراهق إلى الشارع ليحتفي بطريقته، طريقة صرف الطاقة التي يعرف ربما مصدرها، لكنه لا يعرف إلا أن يفنيها في اللاشيء. الاحتفاء بهذا الحب الذي نوقن به ونعرفه في نفوسنا ينقصه شيء، شيء ربما تشوهه ثقافة الاحتفال لدينا، فأصبحت محظوراتها أكثر مما هو مسموح فيها. وهنا ليست القضية مرتبطة بالإعلام الرسمي أو الحكومة التي لا تلام غالباً على اتخاذ الأسلوب الرصين و«الثقيل» في إظهار ملامح البهجة في الشوارع والميادين، لكننا نحن الملامون إلى حد كبير بتغييرنا ثقافة الفرح وجعلها أقرب إلى منطقة الشبهات منها إلى منطقة البراءة والثقة، ثم إثارة بعضنا لتفاصيل لا تسمن ولا تغني من جوع لكنها فقط تؤجل الوصول إلى الفرح الكامل والاحتفالية المبهجة. لا ضير أن يتعامل البعض مع الأمر على أنه مجرد إجازة، فالإجازة جزء من منظومة الفرح ولا بأس في السفر إلى خارج البلاد طالما أنه ابتهاج بالإجازة التي ارتكزت على الاحتفاء بيوم الوطن وتذكر تاريخه. الضير في محاربة الفرح، أو في التعبير الممجوج عنه، التعبير الذي يتساوى فيه كاتب ممل مكرر ومراهق يمارس الغباء في الشارع. كل عام وأنت يا أيها الإنسان الذي تعيش الوطن قبل أن تعيش فيه بخير وتقدم، كل عام وأنت تجد تفاصيل حبك منثورة على خريطة روحك، وأحلامك تسير نحو التحقق بأن تجد ما يليق بك، وما يليق بوطنك في معاشك وتفكيرك وثقافتك واحتفالك بالفرح. [email protected] mohamdalyami@