ديباجات الكتابة عن الأوطان في الثقافة العربية أكثر من أن تُعد، بدءاً من «وان شغلت بالخلد عنه» وانتهاء ب«فوق هام السحب»، وهي ديباجات تُقبل في سياقات محددة، وهي في النهاية تعبير أطلقه شاعر مصدق به، واستشف صدقه الكثيرون ورددوه معه شعراً وغناء. اليوم يوم الوطن، وكما اختارت امانة مدينة الرياض «النشيطة» شعارها اصبح العيد عيدين مع تزامن يوم الوطن مع عيد الفطر المبارك. كيف نحتفي بهذه المناسبة، ربما يكون هذا السؤال جدلياً جداً فيما يتعلق بالمظهر الخارجي للفرح، هل نغني ونرقص مع الأغاني والرقصات الشعبية، أم نقيم المهرجانات، أم نكتفي بالإجازات والبرامج الوثائقية، وتحول الجدل والصراع الخفي إلى القشور، ونسي جاهل جوهر الموضوع... الوطن الذي نحتفي به وكيف نحتفي به. تسمع أحياناً من البعض وصفهم لمواطني دولة ما أن لديهم وطنية عالية، أو انهم يحبون بلدهم كثيراً، ويقدسون سمعته، ويمجدون مواطنيهم، وتتساءل وانت تسمع أسئلة عدة: كيف توصلوا لهذه القناعة؟ وكيف وصلتهم من منبعها؟ وهل هي صحيحة ام انها مجرد ترديد او صدى لمقولات آخرين؟ والأهم كيف يعبر هؤلاء الآخرون عن حب وطنهم؟ كلنا نحب المملكة العربية السعودية، كل السعوديين يفعلون وأكثر من غيرهم، ولكن تعبيرنا عن هذا الحب لا يظهر أحياناً بالمستوى المناسب، فلا يمكن اقناع مواطن ان اخيه المواطن يحبه ويحب وطنهما معاً، وهو يأكل حقه، او يعطل مصالحه وهو قادر على انجازها من موقعه، وهو لا يعلم ابنه اذا كان معلم مدرسة بإخلاص، وهو يزيح مستحق الوظيفة او المقعد الدراسي او السرير العلاجي حتى يضع مكانه من لا يستحقها فقط لان لديه واسطة أقوى أو أنه يمت له بصلة ما. إن حب الوطن يجب ان نترجمه جميعاً ما دمنا كلنا نحمله في ضلوعنا، ولا تتم ترجمته إلا بأفعالنا جميعاً كل من موقعه، وكل من خدمته لغيره، وكل ينظر فقط كيف يكون هذا الوطن أجمل، وأقوى، وأكثر ألقاً بين نجوم العالم. لا يمكن ان نركن الى بؤس فكرة ان فلاناً وعلاناً وهم الأولى بالفعل لا يخدمون كما يجب، او لا يؤدون اماناتهم كاملة، ففي هذا تراجع لا نوده ونحن نحتفي بالوحدة الوطنية، ونسترجع ذكرى التوحيد، فعلى الجميع كل من موقعه ان يعمل نحو الكمال بغض النظر عن إهمال غيرهم او ما تثيره أفعالهم وممارساتهم من إحباط. وطن واحد لكل من أحب ترابه، للجميع حق فيه، وعلى الجميع تأدية حقوق الحب، وكل عام ياوطني وأنت الحب. [email protected]