نائب أمير الرياض يؤدي الصلاة على والدة مضاوي بنت تركي    «المالية»: 309 مليارات ريال إيرادات ميزانية الربع الثالث.. و«غير النفطية» تصعد 6 %    السعودية تتقدم عالمياً في تقنيات البيانات والذكاء الاصطناعي    التعاون يواجه ألتين للتمسك بالصدارة في «آسيا 2»    الجبلين يتغلّب على نيوم بهدف في دوري يلو    الاتفاق يتغلب على القادسية الكويتي في دوري أبطال الخليج    «التعليم»: تدريس اللغة الصينية بما يعادل مدة الابتعاث    تنفيذ حكم القتل تعزيراً في أحد الجناة بمنطقة المدينة المنورة    آل الشيخ في مؤتمر «cop29»: تنوع الثقافات واحترام خصوصية كل ثقافة.. مطلب للتعايش بين الشعوب    «الحسكي».. مكونات سياحية بمحمية الإمام تركي بن عبدالله    مشروع رؤية 2030.. أول الغيث    9146 ريالا زيادة سنوية بنصيب الفرد من الناتج المحلي    سان جرمان وبايرن يسعيان للعودة إلى سكة الانتصارات    بيولي: النصر يستهدف اللقب الآسيوي    الفحوصات الطبية تحدد موقف لودي من لقاء الاتفاق    مجلس الوزراء يقر إطار ومبادئ الاستثمار الخارجي المباشر    عن العرب الإسرائيليين    الحوادث المرورية.. لحظات بين السلامة والندم    الزائر الأبيض    ازدهار متجدد    تبكي الأطلال صارن خارباتي    سلام مزيف    فلسفة الألم (2)    الممارسون الصحيون يعلنون والرقيب لا يردع    د. الذيابي يصدر مرجعًا علميًا لأمراض «الهضمي»    انقطاع نفس النائم يُزيد الخرف    أمير الشرقية يستعرض استراتيجية محمية الملك عبدالعزيز    القيادة تهنئ رئيسة مولدوفا    المنتخب السعودي .. وواقعية رينارد    فالنسيا تعلن فقدان أثر 89 شخصاً بعد الفيضانات في إسبانيا    Apple تدخل سوق النظارات الذكية لمنافسة Meta    أول قمر صناعي خشبي ينطلق للفضاء    إلزام TikTok بحماية القاصرين    محمية الغراميل    اتفاقية بين السعودية وقطر لتجنب الازدواج الضريبي.. مجلس الوزراء: الموافقة على الإطار العام والمبادئ التوجيهية للاستثمار الخارجي المباشر    ثري مزيف يغرق خطيبته في الديون    الألم توأم الإبداع (سحَر الهاجري)..مثالاً    أداة لنقل الملفات بين أندرويد وآيفون    الاحتلال يواصل قصف المستشفيات شمال قطاع غزة    دشنها رئيس هيئة الترفيه في الرياض.. استديوهات جديدة لتعزيز صناعة الإنتاج السينمائي    يا كفيف العين    اللغز    خبراء يؤيدون دراسة الطب باللغة العربية    رأس اجتماع مجلس الإدارة.. وزير الإعلام يشيد بإنجازات "هيئة الإذاعة والتلفزيون"    عبدالوهاب المسيري 17    X تسمح للمحظورين بمشاهدة منشوراتك    معرض سيتي سكيب العالمي ينطلق الاثنين المقبل    همسات في آذان بعض الأزواج    15 شركة وطنية تشارك بمعرض الصين الدولي للاستيراد    الصناعة: فوز11 شركة برخص الكشف بمواقع تعدينية    وقعا مذكرة تفاهم للتعاون في المجال العسكري.. وزير الدفاع ونظيره العراقي يبحثان تعزيز العلاقات الدفاعية وأمن المنطقة    تأثيرات ومخاطر التدخين على الرؤية    التعافي من أضرار التدخين يستغرق 20 عاماً    أمير منطقة تبوك يستقبل القنصل المصري    أبرز 50 موقعًا أثريًا وتاريخيًا بخريطة "إنها طيبة"    نائب أمير الرياض يؤدي صلاة الميت على والدة الأميرة مضاوي بنت تركي بن سعود الكبير    كلمات تُعيد الروح    الأمير تركي بن طلال يستقبل أمير منطقة الجوف    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



العراق: السلطة التنفيذية توزع حقوق المواطنين على نواب الأمة!
نشر في الحياة يوم 20 - 09 - 2013

على الجدران الكونكريتية التي سوّرت مباني الحكومة ومجلس النواب وسط العاصمة بغداد، كتب ناشطون مجهولون بالخط الأحمر «نواب العراق هم أكبر مجموعة لصوص في العالم».
تلخص هذه العبارة التي صارت عنواناً للتظاهرات المناوئة لامتيازات البرلمان غير المسبوقة خلال العامين الماضيين، أزمة الثقة التي تعصف بين أعلى سلطة تشريعية ورقابية في العراق، وبين باقي طبقات المجتمع العراقي.
لا يتعلق الأمر هنا، وفق ما يرى الناشط المدني وعالم السومريات البروفيسور سالم العامري، «بالرواتب والمخصصات الفاحشة التي شرّعها البرلمان لنفسه، بنفسه»، بل يتعلق بأن حرص البرلمان على التمسك بمكاسبه، «ورّطه بالدخول في أوسع منظومة فساد شرق أوسطية جعلت من العراق في مقدمة بلدان العالم من حيث حجم الفساد والرشوة»، وفقاً لمنظمة الشفافية العالمية في تقريرها (تموز/ يوليو) الماضي.
يكشف هذا التحقيق من خلال الوثائق والأرقام التي يحلّلها رجال مال مختصون، واعترافات برلمانيين ودفاعاتهم، أن كلفة وجود سلطة تشريعية ورقابية في العراق والبالغة نحو ملياري دولار لكل دورة برلمانية من اربع سنوات (وفق ما وثّقه الخبير المالي خليل الونداوي)، كانت السبب الرئيس في عجز البرلمان عن الحد من الفساد في البلاد، أو مساءلة حكومة تدير قرابة 400 مليار دولار هي مجموع موازنات الدولة العراقية كل اربع سنوات تقريباً.
الامتيازات الكبيرة التي يحظى بها أعضاء البرلمان والمقدرة ب 1.6 مليون دولار للنائب الواحد لدورة من اربع سنوات بضمنها الرواتب والمخصصات وأجور الحمايات الشخصية، شلّت قدرتهم على محاسبة المتورطين بملفات فساد كبرى أنهكت موارد البلاد، وتسببت بانخفاض مستوى الخدمات، وغياب الأمن، وفقدان الثقة بالاقتصاد، وعدم القدرة على توفير الطاقة الكهربائية لما يقارب ال 12 ساعة في اليوم.
البروفيسور العامري يعتقد أن برلمان الوركاء وهو البرلمان الأول في تاريخ البشرية (3000 قبل الميلاد كما يرى العلامة كريمر)، كان أكثر قدرة على محاسبة الحكام من برلمان العراق الحالي والذي لم يتمكن خلال ثلاث سنوات (بدأ عمله في 14 حزيران/ يونيو 2010)، من تجريم فاسد واحد، أو إيقاف هدر مالي في أي مفصل من مفاصل الدولة العراقية.
الكاتب والإعلامي أحمد المهنا يؤيد ما ذهب إليه العامري، فهو يرى أن البرلمان الحالي ليس اكثر من «أكذوبة»، وأنه فقد قدرته على محاسبة الفاسدين، ليس فقط لأنه يطمح للحفاظ على مكتسباته الضخمة، بل أيضاً لأن قرارته كانت مرهونة منذ البداية برغبة زعماء الأحزاب الذين سلموا القرار السيادي للعراق إلى دول الجوار.
أرقام فلكية
تشير الأرقام التي وثّقتها كاتبة التحقيق بالتعاون مع الخبير الونداوي، إلى أن الرواتب السنوية الفعلية التي يحظى بها مجموع أعضاء البرلمان الحالي (325 نائباً)، تناهز ال 180 مليون دولار، شاملة رواتب النواب مع الرئاسات (54.4 مليون دولار) وربع قيمة مبلغ تحسين المعيشة (6.2) مليون دولار، اضافة إلى (125 مليون دولار) لرواتب وإطعام حمايات البرلمانيين كما في موازنة العام 2013.
المبلغ الذي تنقله موازنة عام 2013 (125 مليون دولار) لرواتب وطعام حمايات البرلمانيين، يعادل ثلاثة أضعاف المبالغ التي دفعت كتعويضات لعوائل 14 ألف ضحية من ضحايا الإرهاب عام 2012، ربعهم فقدوا حياتهم نتيجة التفجيرات والاغتيالات التي تضرب العراق منذ سنوات، كما يقول الإعلامي والناشط مصطفى سعدون.
هذا الفارق الكبير في احتساب قيمة الفرد العراقي، كما يقول الناشط سعدون، تسبب في «أزمة ثقة مزمنة بين البرلماني العراقي وناخبيه، وأنتج فجوة طبقية لا يمكن ردمها بوجود برلمان يستقتل للحفاظ على امتيازاته».
عبّر عن هذه الأزمة بجلاء، رد فعل قيادية في كتلة برلمانية نافذة شرحت لكاتبة التحقيق تفاصيل مستحقاتها الشهرية، لكنها عادت بعد دقائق لتهدّد كاتبة التحقيق بأنها ستلجأ للقضاء لإيداع كاتبة التحقيق السجن إذا تجرأت على نشر اسمها في التحقيق.
حلقة مفرغة
خاطبت كاتبة التحقيق رئاسة البرلمان للسماح لها بالاطلاع على سجل الإيفادات والمنح المالية وكلفة علاج البرلمانيين. طلب منها في البداية تقديم طلب للحصول على تخويل بدخول مبنى البرلمان، ثم لاحقاً أبلغوها باعتذارهم لنسيان وضع اسمها عند بوابة الدخول.
في المرة الأخيرة، تركت كاتبة التحقيق ثلاث ساعات خارج مبنى البرلمان، قبل أن يطلب منها الانصراف لتعذر استقبالها حتى من قبل الدائرة الإعلامية. وكيل وزارة المالية فاضل نبي، أبلغ الكاتبة أن الوزارة ليست طرفاً بتحديد الرواتب والمخصصات لأن كل جهة لها نظامها الخاص وهي التي تعرف موازناتها وصرفياتها، ومهمة الوزارة هي «التمويل فقط». الوكيل طلب من الكاتبة في ما بعد أن تسأل البرلمان نفسه عن صرفياته، لأن الإجابة «ليست من اختصاصه».
325 وزيراً تحت قبّة البرلمان
تتضمّن الامتيازات التي يتمتع بها البرلماني العراقي، وفق القيادية الشابة ونواب آخرين بينهم عضوة سابقة في اللجنة المالية، رواتب ومخصصات شهرية بمقدار 12.9 مليون دينار عراقي (11 ألف دولار)، اضافة إلى رواتب الحمايات الشخصية (20 ألف دولار شهرياً لكل نائب).
احتسبت رواتب البرلمانيين في العراق قياساً على رواتب الوزراء. ينص قانون رقم 7 لسنة 2005 «يستحق عضو المجلس الوطني الموقت مكافأة لا يزيد مقدارها عما يتقاضاه الوزير من راتب ومخصصات».
قبل عام 2003، كانت سلطة التشريع في العراق حكراً على رئيس النظام السابق صدام حسين، وفق الفقرة (أ) من المادة 42 في الدستور العراقي الموقت لعام 1972. ولم يكن المجلس الوطني (250 عضواً يختارهم حزب البعث الحاكم بنفسه) يمتلك أية سلطة تذكر مقابل رئيس النظام. رغم ذلك منحهم النظام السابق راتب مدير عام مع سيارة حديثة في كل دورة من أربع سنوات.
بعد العام 2003، كما يقول الكاتب والإعلامي مشرق عباس، كان تحوّل البرلمان من مجلس شكلي إلى برلمان فاعل عليه البدء بتشريع مئات القوانين التي تتواءم مع انتقال العراق من الشمولية الديموقراطية، يبرّر منح البرلمانيين امتيازات خاصة، خصوصاً مع ارتفاع فاتورة العمل السياسي والبرلماني وخسارة العديد من ساسة الرعيل الأول حياتهم وحياة عوائلهم ثمناً لتصديهم للعمل التشريعي.
لكن الآن، كما يرى عباس، يختلف الأمر تماماً، فالعمل السياسي صار امتيازاً وظيفياً واجتماعياً ومالياً، وهناك اكثر من ستة آلاف مرشح تقريباً يتنافسون في ما بينهم على مقاعد البرلمان في كل انتخابات. ولهذا كان من المفروض ان يتم إعادة احتساب هذه الامتيازات منذ سنوات وليس الآن فقط.
سعر العملة في مصلحة النائب دائماً
أضاف القرار 13 لسنة 2005، مبالغ أخرى يتقاضاها النائب لتحسين معيشته يبلغ مقدارها (50 ألف دولار أميركي أو ما يعادله بالدينار العراقي) وهذا القانون ساري المفعول حتى الآن.
المفارقة هنا كما يرى الخبير الونداوي أن النواب رفضوا تسلم المبلغ بالدولار (50 ألف دولار) وأصرّوا على استلامه بالدينار العراقي، لكن بشرط أن يكون على سعر الصرف الذي كان سارياً عام 2005 (90 مليون دينار) وليس سعر الصرف الحالي (58 مليون دينار)، محققين ربحاً على حساب الدولة العراقية مقداره 32 مليون دينار (27 ألف دولار).
يحصل أعضاء البرلمان أيضاً، مع زوجاتهم وأبنائهم وبناتهم، على جوازات سفر ديبلوماسية طوال الدورة البرلمانية ولغاية 8 سنوات من انتهائها، مع حق الاحتفاظ بعشرة من عناصر الحمايات الشخصية، مع رواتبهم.
أزمة التقاعد
وفقاً للقانون رقم 9 لسنة 2005، يحق لنواب البرلمان الحالي (325 نائباً) أن يلتحقوا بعد انتهاء دورتهم ربيع العام 2014 بجيش جرار يتكون من أكثر من 500 برلماني متقاعد والآلاف من أعضاء مجالس المحافظات وأصحاب الدرجات الخاصة المتقاعدين، والذين يحصلون على ما نسبته 80 في المئة من رواتبهم ومخصصاتهم التي كانوا يتقاضونها سابقاً. فيما يتمتع الرؤساء المتقاعدون، برواتب تقاعدية تناهز ال 40 ألف دولار شهرياً لكل منهم، اضافة إلى 40 ألف دولار كمخصصات ل 60 عنصراً من الحمايات الشخصية يبقون معهم بعد تقاعدهم.
يفضل أغلب الرؤساء المتقاعدين، الحصول على رواتبهم كرؤساء متقاعدين بدلاً عن رواتبهم كبرلمانيين حاليين، مثل رئيس الوزراء الأسبق أياد علاوي ورئيس الوزراء السابق إبراهيم الجعفري ورئيسي البرلمان السابقين أياد السامرائي وحاجم الحسني، فيما يكتفي الرئيس الأسبق عجيل الياور بإدارة شركاته في إحدى دول الخليج متمتعاً براتبه التقاعدي نظير عمله رئيساً للعراق لأقل من عام. وعلى العكس من الأخير، جمع رئيس البرلمان الأسبق محمود المشهداني بين راتبه التقاعدي البالغ 40 ألف دولار شهرياً ومثلها لحماياته الشخصية، وبين عمله الجديد كمقدم برامج في أحد التلفزيونات المحلية.
يعتقد الكاتب والإعلامي حسن عبد الحميد، أن من أقرّ قانون التقاعد البرلماني «لا يفقه شيئاً في السياسة أو الاقتصاد أو الاجتماع، على الإطلاق». فالقانون يعني في حقيقته كما يقول عبد الحميد أن هؤلاء سيكونون عبارة عن عاطلين من العمل وسيتحولون إلى عالة على المجتمع العراقي الذي يعاني أصلاً من ارتفاع معدل البطالة يصل الى20 في المئة.
يستشهد عبد الحميد هنا، بما قاله مطشر السامرائي، وهو نائب عن الحزب الإسلامي العراقي (أحد فروع تنظيم الإخوان المسلمين). السامرائي قال صراحة إن إلغاء تقاعده البرلماني يعني أن زوجته وأطفاله «سيتحولون إلى دايحين (كلمة دارجة أكثر معانيها لطفاً هو التشرد والانفلات المجتمعي)، تماماً مثل الشعب العراقي البائس».
يعتقد السامرائي الذي أثار تصريحه غضباً شعبياً وسياسياً عارماً، أن حرمانه من التقاعد سيفقده القدرة على مقاومة ابتزاز المفسدين الذي يسرقون المليارات. ويشترط السامرائي لتحصين نفسه من الإغراءات أن يحصل هو وعائلته على ما يكفيهم.
لكن النائبة كريمة الجواري تضع أمام العراقيين سقفاً عالياً لما يمكن أن يكفي النائب العراقي لكي يحصّن نفسه ضد الإغراءات، كما يقول الإعلامي والناشط مصطفى سعدون، فالنائبة «أقسمت» أمام شاشات التلفزيون أن راتبها لا يكاد يسد حاجتها «حتى منتصف الشهر».
من أسرار البرلمان
لا يتعلق الفساد فقط ب «رواتب البرلمانيين وتقاعدهم المفرط في الغرابة»، كما يعتقد الباحث والأكاديمي الدكتور موسى العبيدي، بل يمتد ليشمل حتى قضية الإيفادات التي يحرص البرلمان على عدم الكشف عن أي من تفاصيلها حتى الآن.
كمثال على هذا، أوفد رئيس البرلمان أسامة عبد العزيز النجيفي نفسه في 2011، إلى لندن ومنها إلى سويسرا، مع وفد يتألف من 11 شخصاً، بينهم أخواه (أحمد عبد العزيز النجيفي، ومحمد عبد العزيز النجيفي) بصفة مستشارين، وولده (سنان أسامة عبد العزيز النجيفي) بصفة سكرتير شخصي، مع اثنين من مرافقيه الشخصيين ومصوره الخاص وبرلماني وموظفين آخرين. على أن يلتحق بهم من بغداد وفد يتألف من ثمانية برلمانيين وموظفين، اضافة إلى ابن شقيقه (صلاح الدين أحمد عبد العزيز) بصفته رئيس ديوان مجلس النواب بالوكالة (الأمر النيابي 438/ العدد 1/7/438 في 26/9/2011).
قدرت رئيسة شؤون الأعضاء في البرلمان حنان الفتلاوي كلفة الإيفاد بثلاثة مليارات دينار عراقي (2.5 مليون دولار) وفقاً للوصولات المسلمة. فيما قدر عضو لجنة النزاهة النيابية كمال الساعدي كلفة إيفادات رئيس البرلمان المتكررة إلى تركيا والتي بلغت 11 إيفاداً بين تشرين الثاني(نوفمبر) 2010 وحتى تشرين الثاني2011، بثلاثة مليارات أخرى (2.5 مليون دولار).
في نهاية العام الماضي، انتقد النائب حيدر الملا سفر رئيس البرلمان إلى الهند بصحبة 40 برلمانياً. الملا تساءل حينها عن حجم العلاقات بين العراق والهند والتي تستدعي سفر رئيس البرلمان بنفسه، مع هذا العدد من النواب.
لم تقتصر قضية الإيفادات على رئيس البرلمان وحده، بل شملت كل أعضاء البرلمان تقريباً، كما يذكر موظف رفيع في البرلمان فضل عدم الكشف عن اسمه خوفاً من العقوبات التي طاولت بعض زملائه لأنهم تحدثوا إلى الإعلام. عدد كبير من هذه الإيفادات كما يشير المصدر تكون بهدف المشاركة في مؤتمرات تقام في نفس البلدان التي تقيم فيها عائلة البرلماني الموفد، ما يعني أن البرلماني سيحظى بفرصة رؤية عائلته، مشفوعة بمبالغ السفر ومخصصات الإقامة والمصاريف اليومية البالغة 600 دولار لليوم الواحد.
أغلب الإيفادات، كما يقول الناشط والخبير القانوني طارق حرب، هي إيفادات غير ضرورية تشمل مؤتمرات تقيمها منظمات مجتمع مدني ولا يشارك فيها غالباً برلمانيون من بلدان أخرى غير العراق.
لهذا السبب ربما، كما يقول الدكتور العبيدي، لم يكن صوت البرلمان عالياً حينما كشفت وثيقة مسرّبة من رئاسة الجمهورية القضّية التي عرفت باسم «طائرة الرئيس». وتشير هذه الوثيقة إلى صرف سلفة مقدارها مليونا دولار لتغطية نفقات مشاركة الرئيس جلال الطالباني في الدورة (66) للجمعية العامة للأمم المتحدة (كتاب رئاسة الجمهورية ذي العدد م.ر.د 708 في 11/9/2011)
العبيدي يعتقد أن البرلمان «تجنب الخوض في القضية أو مساءلة الرئيس، كي لا يفتح على نفسه باب الرقابة على مصاريف الإيفادات والسفر الخاصة به، والتي تكلف هي الأخرى مبالغ طائلة لا يعرف حجمها بالتحديد، فالبرلمان ينفرد بعدم نشر الإيفادات في موقعه الإلكتروني أسوة بباقي مؤسسات الدولة العراقية».
«عمليات تجميل» برلمانية
تعتقد النائبة عالية نصيف، أن هناك بعض السلف والمنح التي حصل عليها عدد من النواب والنائبات، استخدمت لإجراء عمليات تجميل، وتشير الوثيقة المرفقة إلى أن النائب أحمد العلواني حصل على ما يناهز 8 آلاف دولار لتقويم أسنانه العلوية التي كانت غير متناسقة قبل دخوله إلى البرلمان (مكتب النائب العلواني/ العدد 30 في 3/2/2011).
في المقابل، كما يقول المصدر البرلماني، تسلم حسن السنيد وهو قيادي في قائمة رئيس الوزراء نوري المالكي، 40 ألف دولار لعلاج مشكلة في مفصل ساقه كان يعاني منها قبل دخوله البرلمان.
مجرد «هدايا»
يقر النائب حيدر الملا صراحة، وفي برنامج تلفزيوني، أنه تسلم عام 2010 سيارة «لاندكروزر» مصفحة مكتوب عليها «صنعت خصيصاً للسيد حيدر الملا»، كهدية من التاجر الفاحش الثراء خميس الخنجر. الملا تساءل حينها مستغرباً، إن كان تلقيه الهدية التي يصل سعرها إلى عشرات الآلاف من الدولارات يمثل «تهمة» بحقه.
حصانة شبه أبدية
يتمتع النائب العراقي، بحصانة خاصة يصفها الإعلامي والكاتب أياد طارق بأنها «أبدية وأقوى من الفولاذ»، إذ نادراً ما يرفع البرلمان الحصانة عن البرلماني حتى لو كان متهماً في ملفات إرهاب، وتحريض على العنف، وملفات فساد وابتزاز مؤسسات الدولة (فشلت الحكومة في إقناع البرلمان برفع الحصانة عن 13 برلمانياً منذ أكثر من عامين بسبب الحماية التي توفرها لهم كتلهم داخل قبة البرلمان).
يعيد طارق إلى الأذهان حادثة تهريب النائب محمد الدايني الذي اعترف مسؤول حمايته وابن شقيقته، بمسؤوليته عن تفجير كافيتريا البرلمان عام 2007، والتي راح ضحيتها اثنين من النواب ونحو ثمانية موظفين وجرح نحو عشرين آخرين (بعد هذا التفجير كما يقول المصدر البرلماني، أرسل النواب إلى العاصمة الأردنية عمان لتلقي العلاج وإجراء الفحوصات، وسمح لهم بالإقامة في فندق الرويال الذي يعد من أغلى الفنادق هناك، وكان من بينهم نواب لم يكونوا متواجدين أصلاً في يوم التفجير).
في تلك الأيام، أمر رئيس الوزراء بعودة الطائرة التي تقل الدايني بعد عشرين دقيقة من توجهها إلى العاصمة الأردنية عمان، لكن الدايني أفلت من الاعتقال خلال عشر دقائق هي الفترة التي فصلت بين هبوط الطائرة وفرار الدايني إلى خارج المطار، وبين صدور قرار البرلمان برفع الحصانة عنه.
يوم عمل برلماني ب 10 آلاف دولار
أحصى المرصد البرلماني العراقي، وهو منظمة حقوقية مدنية، (93) ساعة عمل للبرلمان منذ انعقاده في 14 حزيران 2010 وحتى نهاية العام نفسه، و(205) ساعة عمل خلال الأشهر السبعة الأولى من عام 2011، و(302) ساعة عمل في العام 2012، و(74) ساعة عمل خلال النصف الأول من عام 2013.
المعادلة تشير إلى أن ساعات عمل البرلمان خلال 32 شهراً، لم تتجاوز (676) ساعة عمل، أي بمعدل (21) ساعة في الشهر الواحد. ما يعني أن كل برلماني عمل لمدة ثلاثة أيام عمل فعلية خلال كل شهر من عمر البرلمان.
وباحتساب تكلفة حضور البرلماني ليوم العمل وفقاً لرواتبه ومخصصاته الشهرية (11 ألف دولار راتب شهري و20 ألف دولار للحمايات)، ستكون قيمة ما تقاضاه البرلماني في يوم العمل الواحد (10) آلاف دولار.
الرقم أعلاه، يشير إلى كلفة يوم العمل في حال حضور البرلماني كل جلسات البرلمان منذ يوم انعقاده، لكن أعضاء البرلمان يحظون بامتياز خاص ينفردون به عن باقي المؤسسات العراقية، فبخلاف الموظف الحكومي الذي يخصم من راتبه في حال غيابه يوماً واحداً، تنص المادة 18 من النظام الداخلي للبرلمان على توجيه تنبيه للنائب تدعوه «للالتزام بالحضور»، في حال تكرر غيابه من دون عذر مشروع لخمس مرات متتالية أو عشر مرات غير متتالية.
لكن عدم حضور عدد غير قليل من النواب لفترات طويلة تتجاوز العام الواحد أحياناً لم تكن أبداً سبباً في إقالة أيّ منهم بسبب الغياب. ففي نهاية العام الماضي، أورد تقرير للمرصد النيابي أن النائب فلح حسن النقيب (وزير الداخلية الأسبق) تغيب عن 108 جلسة من غير عذر منذ انطلاق الدورة البرلمانية صيف 2010 وحتى نهاية العام 2012.
لم يتخذ البرلمان أي إجراء بحق النقيب، ولا بحق النواب الآخرين الذين تجاوزت غيابات بعضهم 50 جلسة، مثل النائب أياد علاوي الذي تغيب 56 جلسة من 61 جلسة للبرلمان خلال العام الأول من عمله، فيما تغيّب النائب احمد الجلبي 46 مرة وتلاه النائب حاجم الحسني 43 مرة والنائب عجيل حميدي 43 حالة، وكل الغيابات كانت «من دون عذر».
خلال الأشهر الستة الماضية، رفضت رئاسة البرلمان إقالة النائب احمد العلواني الذي يتغيب عن البرلمان منذ نهاية العام الماضي. وفي مقطع فيديو أذيع مؤخراً رد رئيس البرلمان على مطالبة النائبة حنان الفتلاوي بمحاسبة العلواني، أن الأخير قد يكون «في إجازة مرضية». وحين تساءلت الفتلاوي «ستة اشهر كاملة؟» رد رئيس البرلمان إن هناك «خمسوين نائباً عندهم هذه الحالة يستغلون الإجازات المرضية والاعتيادية لأقصى درجة».
النائب العلواني أجاب عن سؤال لقناة محلية عن سبب عدم حضوره لجلسات البرلمان، بعبارة مختصرة هي: «بمزاجي».
* أنجز هذا التحقيق بدعم من شبكة الصحافة الاستقصائية العراقية (نيريج).


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.