تتكرّر عبارة "مش أحسن ما نبقى زي سورية والعراق" على ألسنة كثيرين في مصر، وفي أكثر من مناسبة. فتكاد تتردد في كل نقاش عام، ويتبناها كبار السنّ للتحذير من مستقبل كارثي، بينما يعتبرها الشباب حيلة لكبح طموحهم في التغيير. كما يتخذها كثيرون مادة ثرية للسخرية على مواقع التواصل الاجتماعي. يُعدّ الشباب أكثر المتبرمين من هذه الجملة، فيقول شريف عفيفي، الطالب في السنة الرابعة بكلية طب القصر العيني: "مش موافق أن مصر تبقى زي سورية والعراق، لكن هذا ليس معناه التوقف عن نقد الأحوال والتطلّع للأفضل". ويلقي شبان، مثل عفيفي، التهمة على كبار السنّ في انتشار هذه الجملة بالمعنى "التخويفي" الذي تحمله، إذ يضيف: "الآن تُستخدم هذه الجملة في شكل غير صحيح، بخاصة من كبار السن الذين يريدون أن تستمر الأحوال كما هي، ويرفضون التغيير الذي أطلقه الشباب". يرى شبان كثرٌ أن الأجدى في هذه المرحلة الالتفات إلى تجارب النجاح في الدول الأخرى. "لماذا لا نتطلع إلى أن نكون مثل اليابان أو ألمانيا أو حتى تونس، بدلاً من التركيز حول مصير سورية والعراق؟"، تسأل سارة محمد، مُدرسة شابة، موضحة أن "هذا التفكير السلبي يمنعنا من التحرر والتقدم". في المقابل، يعكس شبان آخرون نظرة متشائمة للوضع في مصر، ويرون أن مصير البلاد يكاد يكون مثل مصير كل من سورية والعراق. "الديكتاتورية هي التي أدت بسورية والعراق إلى المصير الذي نشاهده الآن، ونحن نعيش في دولة ديكتاتورية فيها 41 ألف معتقل في السجون. وإذا لم تطبق الديموقراطية فسنجد المصير نفسه"، يقول أحمد الكيشكي، طالب بكلية الهندسة. ويختلف الحديث مع اختلاف الفئات العمرية للمتحدثين. ويرى عدد من المصريين الذين تخطوا الأربعين، أن المرحلة صعبة ويجب الحفاظ على استقرار الأوضاع. ويقول إبراهيم مؤنس (48 عاماً): "نحن لدينا رئيس مُنتخب ودستور، ونريد أن نستكمل بناء الدولة التي يعاني الشعبان السوري والعراقي من غيابها، ولا نعود إلى نقطة الصفر"، ويضيف: "البعض يريد أن تنصلح الأحوال سريعاً، وهذا يخالف المنطق، فالحكومة تسير في طريق إعداد مشاريع قومية ويجب إعطاءها فرصة". ويعوّل ربيع حافظ (61 عاماً) على دور الجيش والشرطة، معتبراً أنهما "حائط الصد ضد كل المؤامرات الخارجية وضد عدم تعرض مصر لمصير سورية والعراق وليبيا، فيجب الحفاظ عليهما"، ويتابع: "نأمل في أن تصبح مصر أفضل دولة، وأن يكون المستقبل أفضل لأبنائنا، لكن واجبنا أيضاً أن نحافظ على دولتنا من أن تلقى المصير المؤسف نفسه الذي لاقته الدول المحيطة بنا". ووصل الجدل إلى صفحات مواقع التواصل الاجتماعي، حيث تنتشر "الكوميكس" التي تسخر من العبارة الشهيرة. وتظهر في إحدى اللقطات لافتة مكتوب عليها بالإنكليزية: "مرحباً بكم في مصر، البلد الذي أصبح أفضل من سورية والعراق". وهي عبارة يرى اللواء علاء عز الدين، مدير مركز القوات المسلحة للدراسات الاستراتيجية سابقاً، أنها "ليست في محلها على الإطلاق". ويوضح أنها "تعد موافقة ضمنية على أن مصر دولة بوليسية وقمعية، لكنها تريد بهذا تجنب مصيري سورية والعراق". ويضيف عز الدين: "مصر فيها حريات. هناك معارضون يظهرون على القنوات الفضائية، وهناك من يهاجمون قانون التظاهر ويشككون في مشروع قناة السويس، ولا يقترب منهم أحد، ولا توجد مثل هذه الحريات في كل من سورية والعراق وليبيا". من جهة ثانية، يرى السفير ناجي الغطريفي، مساعد وزير الخارجية السابق، أن أفضل طريقة لتجنيب مصر مصير سورية والعراق وليبيا هو التوسع في الديموقراطية وليس الانتقاص منها، رافضاً أن تكون هذه الجملة "حصان طروادة" الذي يخبئ الديكتاتورية. ويضيف: "طالما هناك اشتباكات وانقسامات في المجتمع المصري، فإننا مهددون بأن نلقى مصير سورية والعراق، ولتجنب هذا يجب أن نتيح الفرصة لكل مواطن أن يعبر عن رأيه بحرية من دون قمعه، لأن العنف لا يولد إلا العنف". ويصف اللواء مجدي شحاتة، الخبير الاستراتيجي، هذه الجملة ب "الفزاعة" التي يمكن أن تُلقى في وجه كل من يرفض الأوضاع، موضحاً أنه يرفضها من حيث المبدأ، لأنها تعتمد على التخويف وليس المنطق. ويضيف: "أنا أُقدّر مطالب الشباب، وتخوفات كبار السن، لكن يجب ألا نعطي التخوفات أكثر من حجمها، سواء التخوفات من مصائر الدول الآخرى، أو التخوفات من عودة مصر إلى ما كانت عليه قبل ثورة يناير".