وسط تصعيد أمني خطير ينبئ باتساع نطاق الفتنة المذهبية في العراق، بانتقال العنف إلى المحافظات الجنوبية التي كانت إلى وقت قريب الأكثر أمناً وهدوءاً، يعقد الزعماء السياسيون مؤتمراً وطنياً يبدأ غداً، لتوقيع وثيقة «السلم الاجتماعي». ويخشى أن تكون هذه الوثيقة مجرد تضامن شكلي غير قابل للتطبيق على الأرض. وكان نائب رئيس الجمهورية خضير الخزاعي أعلن بدء أعمال المؤتمر الوطني اليوم، مؤكداً توقيع القوى السياسية ورجال الدين وزعماء العشائر وثيقة «السلم الاجتماعي» التي سيكون من أهم مضامينها «تشكيل لجنة عليا لحل الأزمات السياسية». لكن أطرافاً مختلفة، بينها «القائمة العراقية»، أبدت شكوكاً في إمكان ترجمة هذه الوثيقة على الأرض. ونفى المتظاهرون تلقيهم دعوات لحضور المؤتمر الذي تزامن مع إصدار أمر باعتقال النائب عن الأنبار أحمد العلواني الذي يعد من أبرز داعمي التظاهرات، بسبب تصريحات مثيرة أدلى بها أخيراً من منصة الاعتصام اعتبرتها الحكومة «تحريضاً طائفياً». وتصاعد القلق من تداعيات الانهيار الأمني الكبيرة التي امتدت خلال الشهور الماضية إلى مدن الجنوب، خصوصاً البصرة وذي قار وميسان التي كانت الأكثر أمناً في السنوات الأخيرة. وأكد الوقف السني في الجنوب ل «الحياة» امس إغلاق المساجد السنية في البصرة «بعد قتل عدد من أبناء المذهب وتلقي آخرين تهديدات بالتصفية»، فيما تواجه ذي قار أزمة كبيرة بعد إقدام مجموعات مسلحة مجهولة على تهجير عدد من البلدات السنية وأبرزها تلك التي تسكنها قبيلة السعدون التاريخية. وأوضح مدير الوقف الشيخ عبد الكريم الخزرجي في تصريح إلى «الحياة»، أنه «تقرر وقف الصلوات في جميع الجوامع والمساجد في البصرة إلى أجل غير مسمى، حفاظاً على أرواح المصلين بعد موجة العنف التي تعرضوا لها خلال الأسابيع الماضية». وأضاف أن «الجوامع ستكون مغلقة، وسنكتفي برفع الأذان ودعوة المواطنين إلى الصلاة في رحابهم (بيوتهم) بسبب عدم قدرة الدولة على فك لغز العنف الذي يطاول أبناء المكون السني في المحافظة». وحمل الخزرجي «الجهات الأمنية مسؤولية عدم التوصل إلى كشف الجناة»، وطالبها ب «إجراءات حازمة ورادعة لوقف نزيف الدم اليومي في المحافظة». وتابع أن «الأسبوعين الماضيين شهدا مقتل 14 شخصاً من أبناء المذهب السني في مناطق متفرقة في البصرة، بينهم شيوخ جوامع ومؤذنون وخدم في المساجد التابعة للوقف، فضلا عن استهداف بعض المصلين ولم يكن أي من الضحايا متورطاً في نزاعات سياسية أو اجتماعية أو عشائرية وهذا ما تثبته الأوراق الرسمية لدى قادة الأمن في البصرة». من جهة أخرى، قال قائد الشرطة في ذي قار شاكر كويّن في اتصال مع «الحياة»، إن «عدم استقرار الوضع السياسي في المحافظة وراء تصاعد أعمال العنف فيها». ودعا مجلس المحافظة إلى «الإسراع بجلب أجهزة كشف متفجرات وكلاب بوليسية لتأمين المحافظة». وكان ائتلاف «الأحرار» التابع للتيار الصدري وائتلاف «المواطن» التابع ل «المجلس الأعلى» علقا مشاركتهما في مجلس المحافظة منذ تشكيله في حزيران (يونيو) الماضي معترضين على الآلية التي اعتمدت في عملية التشكيل. وقال النائب عن البصرة جواد البزوني ل «الحياة» إن «ما تتعرض له المدينة من تفجيرات يأتي ضمن هجمة شرسة يتعرض لها العراق بأكمله، وكان للبصرة حصة كبيرة، لأن جماعات الإرهاب تستهدف العاصمة الاقتصادية للبلاد». وأضاف أن «التفجيرات والتصفية التي يتعرض لها أبناء السنة في المحافظة تأتي ضمن خطة لزرع الفتنة الطائفية في البلاد، عن طريق إيهام المواطنين بأن المذاهب تتصارع. وهذا بتصعيد العنف في الجنوب، تزامناً مع التوتر في المحافظات الغربية».