تعهد رئيس الحكومة الموقتة للمعارضة السورية الجديد أحمد طعمة بالحد من نفوذ متشددي تنظيم «القاعدة» الذين قال إنهم استغلوا عجز المعارضة عن ملء الفراغ الذي أحدثه انهيار سلطة الرئيس بشار الأسد في كثير من أنحاء البلاد. وقال طعمة الإسلامي المعتدل لوكالة «رويترز» في أول مقابلة تجرى معه بعد أن اختاره «الائتلاف الوطني السوري» هذا الأسبوع رئيساً لحكومة تضم 13 عضواً، ان «المعارضة يجب أن تواجه القاعدة فكرياً بالتأكيد على أن الديموقراطية لا تتنافى مع تعاليم الإسلام، كما يتعين عليها الحد من شعبية التنظيم باستعادة الخدمات العامة في المناطق التي يسيطر عليها مقاتلو المعارضة». وقال طعمة: «فوق ما عاناه الناس من النظام من قتل وتشريد ودمار، يعانون من سلوكياتهم وتصرفاتهم ومحاولة إجبار الناس على تبني أفكارهم وطروحاتهم. الشعب خرج من أجل فكرة جوهرية أساسية وهي فكرة الحرية، فكيف يمكن أن يقبل بتسلط أكبر؟ نحن نسعى الى نشر ثقافة الديموقراطية في شكل واسع لمصلحتنا ومصلحة الشعب. إذا أردنا أن نقيم دولة تعددية ديموقراطية تستوعب جميع أبنائها لا بد من نشر الديموقراطية في شكل واسع». وأضاف: «نظرية البيعة القائمة على الشورى لا يمكن أن تقبل بالحاكم إلا إذا أخذ البيعة من الناس وبمحض إرادتهم وخيارهم وشوراهم. هذه النظرية لا يمكن أن تطبق في العصر الحاضر إلا بالانتخابات وصناديق الاقتراع. فأنتم إما أن تسيروا بإجبار الناس على أفكاركم وتتبنوا نظرية جواز ولاية المتغلب وهي التي يرفضها الإسلام، وحتى يرفضها الشيخ ابن تيمية، وإما أن تسيروا على نظرية البيعة والشورى، وهذه النظرية لا تتفق مع العصر الحاضر إلا من خلال الديموقراطية». وطعمة هو أرفع شخصية في المعارضة تنتقد «القاعدة» علانية. وكان سجيناً سياسياً دعا إلى التسامح خلال مشواره السياسي الطويل. غير أنه يواجه مهمة شاقة تتمثل في تأسيس إدارة مركزية في المناطق الخاضعة لسيطرة مقاتلي المعارضة والتي تعمل فيها مئات الألوية من دون قيادة موحدة بما ينذر بالفوضى، ويتمتع فيها مقاتلو «القاعدة» المنظمون بوجود كبير. ولم يتضح بعد ما إذا كان بإمكان طعمة تعزيز صدقية المعارضة ووضعها، في الوقت الذي تُمارس فيه ديبلوماسية عالية المخاطر بين واشنطن وموسكو لإنهاء الحرب الأهلية الدائرة في سورية منذ عامين ونصف العام. وصار انتقاد تنظيم «القاعدة» الذي يرفض الديموقراطية ويريد إقامة خلافة إسلامية، من المحظورات بين معظم الإسلاميين في المعارضة السورية نظراً الى دور التنظيم في محاربة قوات الأسد في شمال البلاد وشرقها. وسقطت أجزاء من محافظة الرقة شرق سورية في قبضة جماعات مرتبطة ب «القاعدة» في وقت سابق هذا العام إلى جانب عدد من البلدات في محافظة حلب المجاورة ومحافظة إدلب. ولكن بعض التظاهرات المناوئة للتنظيم خرجت في الرقة بعد قيام متشددين بخطف نشطاء ليبراليين في المدينة. وقالت مصادر من المعارضة إن اشتباكات اندلعت في الأسبوع الماضي بين فصيل على صلة ب «القاعدة» وإسلاميين أكثر اعتدالاً وبين مقاتلي «الجيش السوري الحر» في محافظة دير الزور، مسقط رأس طعمة الواقعة على الحدود مع العراق. وفي علامة على الخلاف المتنامي بين المتشددين والمعارضين الأقل تشدداً طلب زعيم «القاعدة» أيمن الظواهري من الإسلاميين المتشددين في سورية تجنب التحالف مع غيرهم من مقاتلي المعارضة المدعومين من دول غربية وخليجية تدعم «الائتلاف الوطني» أيضاً. وطعمة (48 سنة) هو الأمين العام ل «تجمع إعلان دمشق» الذي يضم شخصيات معارضة مخضرمة قادت المقاومة السلمية للأسد قبل الانتفاضة. وسجن مرات عدة أثناء الانتفاضة واضطر إلى مغادرة البلاد في وقت سابق هذا العام. وأودع طبيب الأسنان السجن في الفترة من 2007 إلى 2010 مع 11 عضواً بارزاً من المعارضة طالبوا الأسد بالبدء في التغيير الديموقراطي في سورية التي تحكمها عائلته منذ عام 1970. وقال طعمة إن المعارضة تواجه «التحدي الفكري» لإقناع الكثيرين ممن انضموا إلى «القاعدة» بترك هذا التنظيم. وأضاف: «لدينا هذا التحدي الفكري والشعبي لإقناع أكبر قدر منهم بالتخلي عن هذه الأفكار المتشددة لصالح الوطن. نحن نؤمن بالحوار، ولكن إن أبوا فإن الحكومة ستبحث عن كل الوسائل الممكنة لتضمن أمن الناس ومعيشتهم وعيشهم الكريم». وأشار إلى أن الكثيرين في صفوف التابعين ل «القاعدة» في سورية لا تربطهم علاقة قوية بالتنظيم وانضموا إليه لأنه يمدهم بالأسلحة اللازمة لمحاربة قوات الأسد ويوفر الخبز والسلع الأساسية للسكان المحليين. وقال طعمة «يعتقدون بأنه لا يمكن إقامة الدين إلا بإقامة دولتهم، مع العلم أن الله سبحانه وتعالى يقول في القرآن الكريم «أن أقيموا الدين ولا تتفرقوا فيه». فإذا كانت إقامة الدين سوف تؤدي إلى التفرقة فإن الله سبحانه وتعالى لا يريد أن يقيم الدين بالتفرقة. عليهم أن يتفقوا أولاً ثم يقيموا الدين». وأضاف «لقد حاولت إقناع بعض المقربين منهم بأن ما يفعلونه خطأ فكري». ومن المقرر أن يبدأ طعمة محادثات في الأيام القليلة المقبلة لاختيار وزرائه، وهي عملية يتوقع أن تستغرق أسابيع. ومن المقرر أن تخطط الحكومة الموقتة بعد ذلك للانتقال إلى شمال سورية برغم خطورة الهجمات الجوية وعمليات القصف التي تشنها قوات الأسد. وأضاف طعمة «أنا وجميع الوزراء مشاريع شهادة من أجل هذا الوطن. نحن خرجنا من أجل الحرية نريد أن نعيش تحت شجرة الحرية الوارفة وكل الأخوة الذين استشهدوا من أجل حريتنا لا نقبل إلا أن نشاركهم». وقال طعمة: «ابتداء من المعابر، أعتقد أنه يمكن أن نتقدم خطوة خطوة ونبسط الأمان على المناطق المحررة» فضلاًَ عن استعادة الخدمات الأساسية وخدمات الصحة والتعليم. ويتعاون طعمة بشكل وثيق مع الليبراليين والإسلاميين على حد سواء، بمن فيهم رياض الترك الشخصية السياسية الرئيسية في إعلان دمشق والذي ما زال يعمل في الخفاء في سورية وهو في الثانية والثمانين من عمره رغم تمضيته 25 عاماً وراء القضبان باعتباره سجيناً سياسياً.