تُكتشف بين فترة وأخرى مناطق نفطية ضخمة، لتضيف الى مخزون الامدادات العالمية. ونجد في هذا المضمار، ان الانتاج الواسع لدول الشرق الأوسط بدأ بعيد الحرب العالمية الثانية، وان تم اكتشاف بعض الحقول العملاقة في العراق والسعودية وايران قبل الحرب. اما منطقة بحر الشمال، فقد بدأت الاكتشافات منذ منتصف الستينات، والانتاج العالي منذ اوائل السبعينات الى ان انخفض الى نصف مستواه الأعلى أخيراً. اما منطقة بحر قزوين، فهي معروفة بترولياً منذ مطلع القرن العشرين. لكن موسكو وضعت سقفاً لتطوير حقول دول بحر قزوين لمصلحة حقول في روسيا ذاتها، حيث ان شركات النفط العالمية سارعت الى هناك بعيد سقوط الاتحاد السوفياتي واستثمرت البلايين من الدولارات. أخذت هذه الدول تحتل مركزاً مرموقاً في صناعة البترول العالمية. على سبيل المثال، اعلن «كونسورتيوم» بقيادة شركة «ايني» الايطالية بدء الانتاج النفطي الأسبوع الماضي من حقل «كاشغان» المكتشف عام 2000 والواقع في شمال بحر قزوين في مياه جمهورية كازاخستان. و «كاشغان» هو اكبر اكتشاف نفطي عالمي خارج الشرق الأوسط خلال العقود الاربععة الماضية، منذ اكتشاف حقل «برودو باي» في ألاسكا. ويقدر احتياط الحقل ب13 بليون برميل من النفط، ويتوقع ان يصل مستوى الانتاج الى 110 آلاف برميل يومياً هذا العام ليرتفع الى 180 ألفاً ثم نحو 370 ألف برميل يومياً، ويتصاعد بعدها تدريجاً ليبلغ طاقته الانتاجية اي 1.6 مليون برميل يومياً (يعادل الطاقة الانتاجية القصوى الحالية لليبيا). وتشارك في «الكونسوتيوم» شركة «كازمونايغاز» الكازاخستانية الحكومية و «أكسون موبيل» الاميركية و «توتال» الفرنسية، و «رويال دتش شل»، و «اينبكس» اليابانية. واجهت شركات «الكونسورتيوم» صعوبات جمة في العمل سوية، اذ تنافست في ما بينها على القيادة الى ان اتفقت على تسليم القيادة الى «ايني». كما تفاقمت الخلافات نتيجة التأخير في العمل نحو خمس سنوات، وزادت التكاليف بلايين الدلارات، لتبلغ 41 بليوناً. ويعود السبب في التأخير وزيادة التكاليف الى الطبيعة المعقدة للحقل. فهناك ضغط عالٍ جداً في الحقل، ما يعني الحذر من حصول تسرب نفطي في بحر قزوين، ذو التكوين البيئي الخاص الذي تتوافر فيه انواع فريدة من الأسماك والحيوانات البحرية. كما يحتوي الحقل على كميات عالية من غاز «الهيدروجين سلفايد» السام، ما يتطلب ان يحمل العمال معهم أقنعة خاصة. سيزود نفط «كاشغان» الامدادات الرئيسة لخط انابيب كازاخستان-الصين النفطي. واشترت الحكومة الصينية حصة في الحقل بقيمة 5 بلايين دولار في 2013. يذكر ان «كاشغان» ليس الحقل العملاق الوحيد في كازاخستان، اذ ان الاحتياطات النفطية للبلاد تقدر ب30 بليون برميل. وهناك حقول مهمة مثل «تانغيز» و «كراتشاناك» وغيرها. ويذكر ان كازاخستان بدأت انتاج النفط عام 1911، وتملك ثاني أعلى احتياطات نفطية مقارنة بروسيا وجمهوريات الاتحاد السوفياتي السابق. وبلغ انتاجها في 2012 نحو 1.6 مليون برميل من النفط يومياً. كما ان البلاد غنية باحتياط كبير من الغاز الطبيعي. لكن الأمر الذي تعاني منه كازاخستان هو كونها دولة تفتقد الاطلال على البحار العالمية، ما يضطرها الى تشييد الأنابيب الطويلة المدى ذات الكلفة العالية كي تستطيع التصدير، وتفتقد ايضاً المنشآت التصديرية اللازمة. ولدى كازخستان شبكة أنابيب لايصال نفطها الخام عبر البحر الأسود ومن ثم البحر الأبيض المتوسط، بخاصة الى ايطاليا. ويستخدم للتصدير الى اسوق دول المتوسط، خط انابيب باكو - تبليسي - جيهان (حيث يتم شحن النفط عبر ناقلات الى اذربيجان ومن ثم في خط انابيب اذربيجان - تركيا بطاقة مليون برميل يومياً. ويذكر ان شبكة خطوط الأنابيب القديمة في البلاد كانت تهدف أولاً الى ايصال النفط الى شبكة الأنابيب الروسية والسوق الروسية، من ثم كان الاعتماد في السابق بشدة على روسيا. اما الآن، فتهدف الخطط المرسومة الى تنويع وجهة الخطوط شرقاً وغرباً وزيادتها. لكن في الوقت ذاته، تحاول كازخستان تصدير مواردها الى سوقين ضخمين: روسيا والصين. فهناك على سبيل المثال خط الانابيب الصيني - الكازاخستاني الذي يبلغ طوله نحو 1348 ميلاً وتبلغ طاقته نحو 240 ألف برميل يومياً يتم توسيعها لتصل الى 400 ألف. وهناك أيضاً خط غاز تم تشييده ما بين كازخستان والصين بطاقة 1.4تريليون قدم مكعبة من الغاز سنوياً. تتولى شركة النفط الوطنية الكازاخستانية التفاوض مع الشركات النفطية العالمية من خلال الاستثمار في مشاريع مشتركة، ونظراً الى احتياطاتها الواعدة، فقد ازدادت استثمارات شركات النفط العالمية في البلاد، ولدى شركة «شفرون» الأميركية اكبر حصة بين الشركات الأجنبية في القطاع النفطي، اذ تملك 50 في المئة من الحصص في حقل «تانغيز» العملاق ونحو 20 في المئة في حقل « كاراتشاناك». كما تتعاون كازاخستان مع الشركات الروسية (لوكويل) والصينية من خلال اتفاقات حكومية. تتميز منطقة بحر قزوين بامكاناتها لتصدير النفط والغاز الى كل من أسواق جنوب آسيا وجنوب شرقي آسيا واوروبا. لكن هذا يتطلب شبكة أنابيب طويلة جداً، وعلاقات سياسية ايجابية، نظراً الى ضرورة عبور الأنابيب دولاً عدة، فأي تطورات سياسية سلبية ستؤثر على سياسة التصدير بالأنابيب الطويلة. ويذكر ان سياسة مد انابيب الغاز الطويلة بادر بها الاتحاد السوفياتي منذ منتصف الثمانينات، في تصدير الغاز الى اوروبا، ولا تزال روسيا تعتمد بقوة على تشغيل هذه الشبكة الحيوية بطريقة اقتصادية. ولم تتوقف صادرات روسيا الغازية الى أوروبا بسبب الخلافات والمصالح السياسية العميقة بين الطرفين، لكن توقفت لفترة قصيرة جداً بسبب خلاف حول المعادلة السعرية مع أوكرانيا، دولة «الترانزيت» لعبور الغاز الى أوروبا. * مستشار لدى نشرة «ميس» النفطية