كانت «العائلة النموذجية» محور جدل واسع أخيراً في بريطانيا بعدما خلّدت مدينة برمنغهام، ثاني أكبر مدن البلاد، العائلة «الحقيقية» التي تمثّلها بمجسم برونزي كبير أزيح عنه الستار في «ساحة القرن» أمام المكتبة الوطنية في المدينة. لم يكن العمل الفني ما يتخيله المرء عادة عندما يفكّر في «العائلة»: أب، أم وأطفالهما. كانت هناك بدل ذلك أمّان مع ابنيهما، وإحداهما حامل في شهورها الأخيرة. ولا أب إلى جانب أي منهما. لكن هذه «العائلة النموذجية» الجديدة في بريطانيا أثارت انتقادات من اليمين الذي اتهم اليسار بترويج صورة معادية ل «العائلة التقليدية» الذي يجب أن يقوم عليها أي مجتمع. وواقع الأمر أن فكرة البحث عن «عائلة حقيقية» تمثّل برمنغهام، هي مشروع عمره أربع سنين يقوم به معرض «آيكون» الشهير في هذه المدينة، وتنفّذه الفنانة الحائزة جائزة «تيرنر» الشهيرة غيليان ويرينغ، التي ستخلّد هذه العائلة بعمل فني من البرونز يُعرض في «ساحة القرن» في برمنغهام. وبدءاً من نيسان (أبريل) 2011، بدأت اللجنة المخصصة البحث عن «العائلة الحقيقية» تفتش عنها في المجمّعات التجارية الضخمة في المدينة وفي شوارعها وأحيائها. وكان واضحاً منذ البداية أن لا قيود مفروضة على «العائلات» المرشحة لتمثيل برمنغهام بتنوعها الثقافي والديني والاجتماعي، ولا على ممن تتكوّن هذه العائلات. ومن أصل 370 عائلة، بينها عائلات مسلمة تمثّل شريحة واسعة من السكان، ترشحت لنيل جائزة تمثيل «عائلة برمنغهام»، «غربلت» اللجنة الفاحصة الأسماء ورست على «لائحة نهائية مختصرة» تضم أربع عائلات انحصرت بها المنافسة. العائلة الأولى في اللائحة كانت «عائلة كلارك» التي تتألف من أم وزوجها و3 بنات، أنجبت إحداها صبياً وهي حامل الآن بطفلة وتعيش مع صديقها. تقول الابنة في تعريفها لأسرتها: «هذه عائلتي. إننا نتكلم مع بعضنا عن كل شيء. نحن عائلة منفتحة جداً، ومتواضعة، ونُسعد بأن نكون مع بعضنا بعضاً. أمي نصفها هندي، وزوج والدتي إرلندي، وابني نتيجة تزاوج ممتاز بين عرقيات مختلفة». العائلة الثانية كانت عائلة هانكوكس - تريدول التي تعرّف نفسها بالقول: «نحن عائلتان منفصلتان تعيشان جيراناً، الباب بجانب الباب منذ ست سنوات. أولادنا يذهبون إلى المدرسة مع بعضهم بعضاً وأعمارهم متقاربة. نعتمد على بعضنا كثيراً عندما نكون في حاجة إلى مساعدة. مثلاً عندما نكون في حاجة لمن يعتني بالأطفال أو جلب الأولاد من المدرسة. نشعر حقاً بأننا قريبون من بعضنا، وأننا عائلة واحدة كبيرة». العائلة الثالثة في اللائحة النهائية كانت عائلة هاي - وودبريدج التي تقول: «نحن أب وأم نشآ في برمنغهام وضواحيها، أحدنا أسود والآخر أبيض، ولدينا ابنة جميلة من عرق مختلط (أسود وأبيض) هي التعبير النهائي عن مدى حبنا لبعضنا». أما العائلة الأخيرة، فكانت «عائلة جونز» التي تضم اختين هما روما وإيما كلاهما عازبة وإحداهما حامل، وابنين هما كاين وشاين. تقول العائلة في تعريفها عن نفسها: «نحن عائلة تتألف من أختين هما أمّان بلا زوجين، ندعم بعضنا ونلعب جزءاً أساسياً في حياة بعضنا بعضاً. لقد عشنا في برمنغهام طوال عمرنا، وفي أنحاء متفرقة من المدينة. نتحدّر من أعراق مختلفة، لذا نشعر بأننا لسنا غرباء في المدينة كونها متنوعة جداً ومتعددة الثقافة، وكنتيجة لذلك نشعر بأن السكان الذين هم نتاج علاقات بين أعراق مختلفة في برمنغهام لا بدّ من أن عددهم سيزداد بالتأكيد في المستقبل». ووقع اختيار اللجنة الفاحصة التي ضمت ممثلين عن فاعليات تمثّل برمنغهام بتعددها الثقافي والديني والاجتماعي، على عائلة جونز لتفوز بالجائزة التي تبلغ قيمتها 100 ألف جنيه إسترليني، والتي خلّدها العمل البرونزي للفنانة ويرينغ. وأبدت اللجنة انبهارها بالتزام كل من روما وإيما ببرمنغهام وبالطبيعة المتغيّرة لمفهوم العائلة. أما الفنانة ويرينغ، فكشفت أنها أحبت روما وإيما جونز كثيراً عندما تحدثتا عن مدى علاقتهما القريبة ببعضهما كأختين، وكيف تدعم كل منهما الأخرى. وقالت: «بدا الرابط بينهما قوياً جداً، يمثّل الصداقة والعائلة، والمجسّم البرونزي يوضح هذا الارتباط الوثيق. العائلة التي يعرفها الجميع (أم وأب وأطفال) حقيقة واقعة، لكنها واحدة من حقائق عدة تمثّل ما هي العائلة، وعملنا هذا يحتفل بفكرة أن ما يمثّل العائلة يجب ألا يكون قالباً جامداً». أما عائلة جونز، فأعربت عن فخر لأن الاختيار وقع عليها كي تمثل ماذا تعني العائلة في برمنغهام. وقالت روما وإيما إن «هذا العمل الفني يلقي الضوء على العلاقة التي لا يمكن أن تُدمّر بين الناس، والتي هي علاقة عالمية ولا فرق بين من تنشأ، ولا كيف يكون شكلها»، أي أنه ليس بالضرورة أن تكون بين الأم والأب والأطفال لتكون العائلة النموذجية في المجتمع البريطاني الجديد. لكن الاختيار أثار استياء اليمين البريطاني. فكتبت أماندا بلاتيل في «الميل أون صنداي» اليمينة: «كم هو محزن مجسم لتمثيل» عائلة بريطانية نموذجية من عمل الفنانة غيليان ويرينغ الحائزة جائزة تيرنر (...) تم الكشف عنه للتو أمام مكتبة برمنغهام. تظهر فيه أمّان عازبتان تمسكان بأيدي طفليهما، وإحداهما حامل في شهورها الأخيرة، ولكن لا أب في المشهد». وأضافت: «إنها خيانة بائسة للقيم التقليدية التي وثّقت الروابط العظيمة بين المجتمعات كما حصل في برمنغهام. كم هو من نصر للإصرار اليساري على الحطّ من العائلة النواة (الأب والأم وأطفالهما) التي شكّلت حجر الأساس الذي قامت عليه المجتمعات المتحضرة منذ قرون! كم هو توحّش حيواني للأنوثة المتطرّفة التي تجادل أكثر فأكثر في أن النساء لسن في حاجة بتاتاً إلى الرجال!». وأردفت بلاتيل: «إنني على يقين أنهما (روما وإيما) أمّان تحبان أطفالهما. لكن، أن يُزعم أنهما تمثلان العائلة النموذجية فهذا عمل غبي، مضلل، وساخر جداً»، متهمة اليسار بالترويج لصورة نمطية لأمهات عازبات يعشن على الإعانات الاجتماعية التي تقدمها الدولة. وقالت: «لا أعتقد أن هذا يمثل شيئاً يجب الاحتفال به بتخليده بتمثال».